تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ} (102)

يقول تعالى : وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بنظائرهم وأشباههم وأمثالهم ، { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليُملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يُفلته " ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } {[14903]} .واعتبارا على صدق موعُودنا في الدار الآخرة ، { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ } [ غافر : 51 ] ، وقال تعالى : { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [ إبراهيم : 13 ، 14 ] .


[14903]:- صحيح البخاري برقم (4686) وصحيح مسلم برقم (2583).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ} (102)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىَ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } .

يقول تعالى ذكره : وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التي اقتصصت عليك نبأ أهلها بما أخذتهم به من العذاب ، على خلافهم أمري ، وتكذيبهم رسلي ، وجحودهم آياتي ، فكذلك أخذي القرى وأهلها ، إذا أخذتهم بعقابي ، وهم ظلمة لأنفسهم بكفرهم بالله ، وإشراكهم به غيره ، وتكذيبهم رسله . { إنّ أخْذهُ ألِيمٌ } ، يقول : إن أخذ ربكم بالعقاب من أخذه أليم ، يقول : موجع شَدِيدٌ الإيجاع ، وهذا أمر من الله تحذير لهذه الأمة أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة ، فيحلّ بهم ما حلّ بهم من المثلات . كما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن يزيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله يُمْلي » ، وربما قال : «يُمْهِلُ للظّالم ، حَتّى إذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » ، ثم قرأ : { وكذلك أخْذُ ربّك إذَا أخَذ القُرى وهِي ظالِمَةٌ } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : إن الله حذّر هذه الأمة سطوته بقوله : { وكذلك أخْذُ رَبّكَ إذَا أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِمَةٌ إنّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ } .

وكان عاصم الجحدري يقرأ ذلك : { وكذلكَ أخْذُ رَبّكَ إذْ أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِمَةٌ } . وذلك قراءة لا أستجيز بها ، لخلافها مصاحف المسلمين وما عليه قرأة الأمصار .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ} (102)

الإشارة إلى المذكور من استئصال تلك القرى . وهو ما يدل عليه قوله : { أخذ ربك } . والتقدير : وكذلك الأخذ الذي أخذنا به تلك القرى أخذ ربك إذا أخذ القرى . والتشبيه في الكيفيّة والعاقبة .

والمقصود من هذا التّذييل تعريض بتهديد مشركي العرب من أهل مكّة وغيرها .

والظلم : الشرك . وجملة { إنّ أخذه أليم شديد } في موضع البيان لمضمون { وكذلك أخذ ربّك } . وفيه إشارة إلى وجه الشّبه .