نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ} (102)

ولما كان المقصود من ذلك رمي{[40100]} قلوب العرب بما فيه من سهام التهديد ليقلعوا عما تمكنوا فيه{[40101]} من عمى التقليد ، قال تعالى معلماً بأن الذي أوقع بأولئك لظلمهم و{[40102]} هو لكل ظالم بالمرصاد سواء ظلم نفسه أو غيره : { وكذلك } أي ومثل ذلك الأخذ العظيم { أخذ ربك } ذكّره بوصف الإحسان ما له إليه من البر لئلا يخاف على قومه من مثل هذا الأخذ { إذا أخذ القرى } أي أهلها وإن كانوا غير من تقدم الإخبار عنهم وإن عظموا وكثروا{[40103]} ، ولكن الإخبار عنها أهول{[40104]} لأنه يفهم أنه ربما يعمها الهلاك لأجلهم بشدة{[40105]} الغضب من فعلهم كقرى قوم لوط عليه السلام { وهي ظالمة } روى البخاري في التفسير عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ { وكذلك أخذ ربك } الآية .

ولما كان مثل هذا الآخذ لا يدانيه مخلوق ولا يقدر عليه ملك ، حسن كل الحسن إتباع ذلك قوله : { إن أخذه أليم } أي مؤلم قاطع للآمال مالىء البدن والروح والنفس بالنكال { شديد* } أي صعب مفتت للقوى ، ولعله عبر هنا باسم الرب مضيفاً له إلى المنبأ بهذه الأنباء مكرراً لذلك في هذا المقام الذي ربما سبق فيه الوهم إلى أنه باسم الجبار و{[40106]} المنتقم مثلاً أليق ، إشارة إلى أنه سبحانه يربيك أحسن تربية في إظهارك على الدين كله وانقياد العظماء لأمرك وذل الأعزة لسطوتك وخفض الرؤوس{[40107]} لعلو شأنك ، فلا تتكلف أنت شيئاً من قصد إجابتهم إلى إنزال آية أو ترك ما يغيظ من إنذار ونحو ذلك - والله الموفق .


[40100]:من ظ ومد، وفي الأصل: من.
[40101]:سقط من ظ.
[40102]:زيد من ظ.
[40103]:من ظ ومد، وفي الأصل: أكثروا.
[40104]:من ظ ومد، وفي الأصل: أهون.
[40105]:في مد: لشدة.
[40106]:سقط من ظ.
[40107]:من ظ ومد، وفي الأصل: الرأس.