تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

{ إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } أي : إنما يقول ما أمر به ، يبلغه إلى الناس كاملا موفَّرًا من غير زيادة ولا نقصان ، كما رواه الإمام أحمد .

حدثنا يزيد ، حدثنا حَرِيز بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن مَيْسَرَة ، عن أبي أمامة ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليدخلنّ الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثلُ الحيين - أو : مثل أحد الحيين - : رَبِيعة ومُضَر " . فقال رجل : يا رسول الله ، أو ما ربيعة من مضر ؟ قال : " إنما أقول ما أقول " {[27561]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عُبَيد الله بن الأخنس ، أخبرنا الوليد بن عبد الله ، عن يوسف بن مَاهَك ، عن عبد الله بن عمرو قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش فقالوا : إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر ، يتكلم في الغضب . فأمسكتُ عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اكتب ، فوالذي نفسي بيده ، ما خرج مني إلا حق " .

ورواه أبو داود عن مُسَدَّد وأبي بكر بن أبي شيبة ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القَطَّان ، به{[27562]} .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، عن ابن عَجْلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أخبرتكم أنه الذي من عند الله ، فهو الذي لا شَكّ فيه " . ثم قال : لا نعلمه يُروَى إلا بهذا الإسناد{[27563]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا ليث ، عن محمد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا أقول إلا حقا " . قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال : " إني لا أقول إلا حقا " {[27564]} .


[27561]:- (4) المسند (5/257) وقال الهيثمي في المجمع (10/381): "رجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ميسرة وهو ثقة".
[27562]:- (5) المسند (2/162) وسنن أبي داود برقم (3646).
[27563]:- (6) مسند البزار برقم (203) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (1/179): "فيه أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح، وعبد الله بن صالح مختلف فيه".
[27564]:- (7) المسند (2/340) ورواه الترمذي في السنن برقم (1990) من طريق المقبري به وقال: "هذا حديث حسن صحيح"
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

يقول تعالى ذكره : وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه { إن هو إلا وحي يوحى } يقول : ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال ثنا سعيد ، عن قتادة قوله { وما ينطق عن الهوى } أي ما ينطق عن هواه {إن هو إلا وحي يوحى } قال : يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل ويوحي جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم .

وقيل : عنى بقوله { وما ينطق عن الهوى } بالهوى.

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

استئناف بياني لجملة { وما ينطق عن الهوى } [ النجم : 3 ] .

وضمير { هو } عائد إلى المنطوق به المأخوذ من فعل { ينطق } كما في قوله تعالى : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] أي العدل المأخوذ من فعل { اعْدلوا } .

ويجوز أن يعود الضمير إلى معلوم من سياق الرد عليهم لأنهم زعموا في أقوالهم المردودة بقوله : { ما ضل صاحبكم وما غوى } [ النجم : 2 ] زعموا القرآن سحراً ، أو شعراً ، أو كهانة ، أو أساطير الأوّلين ، أو إفكاً افتراه .

وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم ينطق بغير القرآن عن وحي كما في حديث الحديبية في جوابه للذي سأله : ما يفعل المعتمر ؟ وكقوله : " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها " ومثل جميع الأحاديث القدسية التي فيها قال الله تعالى ونحوه .

وفي « سنن أبي داود » و « الترمذي » من حديث المقدام بن معد يكرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته ، يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه " . وقد ينطق عن اجتهاد كأمره بكسر القدور التي طبخت فيها الحُمُر الأهلية فقيل له : أو نُهريقها ونغسلها ؟ فقال : « أو ذاك » .

فهذه الآية بمعزل عن إيرادها في الاحتجاج لجواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها كان نزولها في أول أمر الإِسلام وإن كان الأصح أن يجوز له الاجتهاد وأنه وقع منه وهي من مسائل أصول الفقه .

والوحي تقدم عند قوله تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح } في سورة النساء { 163 } . وجملة { يوحى } مؤكدة لجملة { إن هو إلا وحى } مع دلالة المضارع على أن ما ينطق به متجدد وحيه غير منقطع .

ومتعلِّق { يوحى } محذوف تقديره : إليه ، أي إلى صاحبكم .

وتُرك فاعل الوحي لضرب من الإِجمال الذي يعقبه التفصيل لأنه سيرد بعده ما يبينه من قوله : { فأوحى إلى عبده ما أوحى } .