القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّ رَبّي يَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلاّمُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَآءَ الْحَقّ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } .
يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لمشركي قومك إنّ رَبّي يَقْذِفُ بالحَقّ وهو الوحي ، يقول : ينزله من السماء ، فيقذفه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عَلاّمُ الغُيُوبِ يقول : علام ما يغيب عن الأبصار ، ولا مَظْهَر لها ، وما لم يكن مما هو كائن ، وذلك من صفة الربّ غير أنه رُفع لمجيئه بعد الخبر ، وكذلك تفعل العرب إذا وقع النعت بعد الخبر ، في أن أتبعوا النعت إعراب ما في الخبر ، فقالوا : إن أباك يقوم الكريم ، فرفع الكريم على ما وَصَفت ، والنصب فيه جائز ، لأنه نعت للأب ، فيتبع إعرابه . قُلْ جاءَ الحَقّ يقول : قل لهم يا محمد : جاء القرآن ووحي الله وَما يُبْدِىءُ الباطِلُ يقول : وما ينشىء الباطل خلقا والباطل هو فيما فسّره أهل التأويل : إبليس وَما يُعِيدُ يقول : ولا يعيده حيا بعد فنائه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ إنّ رَبّي يَقْذِفُ بالحَقّ : أي بالوحي عَلاّمُ الغُيُوبِ قُلْ جاءَ الحَقّ أي القرآن وَما يُبْدِىءُ الباطِلُ وَما يُعِيدُ ، والباطل : إبليس : أي ما يخلق إبليس أحدا ، ولا يبعثه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُلْ إنّ رَبّي يَقْذِفُ بالحَقّ عَلاّمُ الغُيُوبِ ، فقرأ : بَلْ نَقْذِفُ بالحَقّ على الباطلِ . . . إلى قوله وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ قال : يُزْهِق الله الباطل ، ويثبت الله الحقّ الذي دمغ به الباطل ، يدمغ بالحقّ على الباطل ، فيهلك الباطل ويثبت الحقّ ، فذلك قوله قُلْ إنّ رَبّي يَقْذِفُ بالحَقّ عَلاّمُ الغُيُوبِ .
{ قل إن ربي يقذف بالحق } يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده ، أو يرمي به الباطل فيدمغه أو يرمي به إلى أقطار الآفاق ، فيكون وعدا بإظهار الإسلام وإفشائه . وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء . { علام الغيوب } صفة محمولة على محل { إن } واسمها ، أو بدل من المستكن في { يقذف } أو خبر ثان أو خبر محذوف . وقرئ بالنصب صفة ل { ربي } أو مقدرا بأعني . وقرأ حمزة أبو بكر " الغيوب " بالكسر كالبيوت وبالضم كالعشور ، وقرئ بالفتح كالصبور على أنه مبالغة غائب .
وقوله { يقذف بالحق } يريد بالوحي وآيات القرآن واستعار له القذف من حيث كان الكفار يرمون بآياته وحكمه ، وقرأ جمهور القراء «علاّمُ » بالرفع أي هو علام ، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق «علاّمَ » بالنصب إما على البدل من اسم { إن } وإما على المدح ، وقرأ الأعمش «بالحق هو علام الغيوب » ، وقرأ عاصم «الغِيوب » بكسر الغين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.