البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (48)

والقذف : الرمي بدفع واعتماد ، ويستعار لمعنى الإلقاء لقوله : { فاقذفيه في اليم } { وقذف في قلوبهم الرعب } قال قتادة : { يقذف بالحق } : يبين الحجة ويظهرها .

وقال ابن القشيري : يبين الحجة بحيث لا اعتراض عليها ، لأنه { علام الغيوب } ، وأنا مستمسك بما يقذف إليّ من الحق .

وأصل القذف : الرمي بالسهم ، أو الحصى والكلام .

وقال ابن عباس : يقذف الباطل بالحق ، والظاهر أن بالحق هو المفعول ، فالحق هو المقذوف محذوفاً ، أي يقذف ، أي يلقي ما يلقي إلى أنبيائه من الوحي والشرع بالحق لا بالباطل ، فتكون الباء إمّا للمصاحبة ، وإمّا للسبب ، ويؤيد هذا الاحتمال كون قذف متعدّياً بنفسه ، فإذا جعلت بالحق هو المفعول ، كانت الباء زائدة في موضع لا تطرد زيادتها .

وقرأ الجمهور : علام بالرفع ، فالظاهر أنه خبر ثان ، وهو ظاهر قول الزجاج ، قال : هو رفع ، لأن تأويل قل رب علام الغيوب .

وقال الزمخشري : رفع محمول على محل إن واسمها ، أو على المستكن في يقذف ، أو هو خبر مبتدأ محذوف . انتهى .

أمّا الحمل على محل إن واسمها فهو غير مذهب سيبويه ، وليس بصحيح عند أصحابنا على ما قررناه في كتب النحو .

وأمّا قوله على المستكن في يقذف ، فلم يبين وجه حمله ، وكأنه يريد أنه بدل من ضمير يقذف .

وقال الكسائي : هو نعت لذلك الضمير ، لأنه مذهبه جواز نعت المضمر الغائب .

وقرأ عيسى ، وابن أبي إسحاق ، وزيد بن علي ، وابن أبي عبلة ، وأبو حيوة ، وحرب عن طلحة : علام بالنصب ؛ فقال الزمخشري : صفة لربي .

وقال أبو الفضل الرازي ، وابن عطية : بدل .

وقال الحوفي : بدل أو صفة ؛ وقيل : نصب على المدح .

وقرىء : الغيوب بالجر ، أمّا الضم فجمع غيب ، وأمّا الكسر فكذلك استثقلوا ضمتين والواو فكسر ، والتناسب الكسر مع الياء والضمة التي على الياء مع الواو ؛ وأمّا الفتح فمفعول للمبالغة ، كالصبور ، وهو الشيء الذي غاب وخفي جداً .