تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} (76)

وقوله : { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الرفرف : المحابس . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهما : هي المحابس . وقال العلاء بن بدر{[27957]} الرفرف على السرير ، كهيئة المحابس المتدلي .

وقال عاصم الجحدري : { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ } يعني : الوسائد . وهو قول الحسن البصري في رواية عنه .

وقال أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ } قال : الرفرف : رياض الجنة .

وقوله : { وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } : قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي : العبقري : الزرابي . وقال سعيد بن جبير : هي عتاق الزرابي ، يعني : جيادها .

وقال مجاهد : العبقري : الديباج .

وسئل الحسن البصري عن قوله : { وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } فقال : هي بسط أهل الجنة - لا أبا لكم -

فاطلبوها . وعن الحسن [ البصري ] {[27958]} رواية : أنها المرافق . وقال زيد بن أسلم : العبقري : أحمر وأصفر وأخضر . وسئل العلاء بن زيد عن العبقري ، فقال : البسط أسفل من ذلك . وقال أبو حَزْرَة {[27959]} يعقوب بن مجاهد : العبقري : من ثياب أهل الجنة ، لا يعرفه أحد . وقال أبو العالية : العبقري : الطنافس المخْمَلة ، إلى الرقة ما هي . وقال القتيبي : كل ثوب مُوَشى عند العرب عبقري . وقال أبو عبيدة : هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي . وقال الخليل بن أحمد : كل شيء يسر{[27960]} من الرجال وغير ذلك يسمى عند العرب عبقريا . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر : " فلم أر عبقريا يفري فريه " {[27961]} .

وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الأوليين أرفع وأعلى من هذه الصفة ؛ فإنه قد قال هناك : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } ، فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها {[27962]} ، اكتفاءً بما مدح به البطائن بطريق الأولى والأحرى . وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة : { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ } فوصف أهلها بالإحسان وهو أعلى المراتب والنهايات ، كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام ، ثم الإيمان . فهذه وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الأوليين على هاتين الأخيريين{[27963]} ، ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين .


[27957]:- (6) في م: "زيد".
[27958]:- (1) زيادة من م، أ.
[27959]:- (2) في أ: "حزيرة".
[27960]:- (3) في م، أ: "نفيس".
[27961]:- (4) صحيح البخاري برقم (3682) وصحيح مسلم برقم (2393) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
[27962]:- (5) في م: "ظهارتها".
[27963]:- (6) في م: "الأخيرتين".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} (76)

القول في تأويل قوله تعالى : { مُتّكِئِينَ عَلَىَ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسَانٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } .

يقول تعالى ذكره : ينعم هؤلاء الذين أكرمهم جلّ ثناؤه هذه الكرامة التي وصفها في هذه الاَيات في الجنتين اللتين وصفهما مُتّكِئِينَ على زَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسانِ .

واختلف أهل التأويل في معنى الرفرف ، فقال بعضهم : هي رياض الجنة ، واحدتها : رفرفة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير أنه قال فِي هذه الاَية مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : رياض الجنة .

حدثنا عباس بن محمد ، قال : حدثنا أبو نوح ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير ، مثله .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا سعيد بن جُبَير ، فِي قوله : مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : الرفرف : رياض الجنة .

وقال آخرون : هي المحابس . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْر يقول : المحابس .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : الرفرف : فضول المحابس والبسط .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : مُتّكِئينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : هي البسط أهل المدينة يقولون : هي البسط .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كُهيل الحضرميّ ، عن رجل يقال له غزوان رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : فضول المحابس .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن هارون ، عن عنترة ، عن أبيه ، قال : فضول الفُرُش والمحابس .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن مروان ، في قوله : رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : فضول المحابس .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : الرفرف الخضر : المحابس .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : محابس خضر .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال : هي المحابس .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مُتّكِئِينَ على رَفرَفٍ خُضْرٍ قال : الرفرف : المحابس .

وقال آخرون : بل هي المرافق .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : الرفرف : مرافق خُضْر ، وأما العبقريّ ، فإنه الطنافس الثخان ، وهي جماع ، واحدها : عبقرية . وقد ذُكر أن العرب تسمي كل شيء من البسط عبقريا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : الزرابيّ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : العبقريّ : الزرابيّ الحسان .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير ، في قوله : عَبْقَرِيَ حِسانٍ قال : العبقريّ : عتاق الزرابيّ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : العبقريّ . الزرابيّ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة عَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : الزرابيّ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : زرابيّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : العبقريّ : الطنافس .

وقال آخرون : العبقريّ : الديباج . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال : هو الديباج . والقرّاء في جميع الأمصار على قراءة ذلك على رَفْرَفٍ خُضْر وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ بغير ألف في كلا الحرفين . وذُكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبر غير محفوظ ، ولا صحيح السند «على رَفارِفَ خُضْرٍ وعَباقِرِيّ » بالألف والإجراء . وذُكر عن زُهير الفرقبي أنه كان يقرأ «على رَفارِفَ خُضْرٍ » بالألف وترك الإجراء «وَعَباقِرِيّ حِسانٍ » بالألف أيضا ، وبغير إجراء . وأما الرفارف في هذه القراءة ، فإنها قد تحتمل وجه الصواب . وأما العباقريّ ، فإنه لا وجه له في الصواب عند أهل العربية ، لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف ، ولا ثلاثة صحاح . وأما القراءة الأولى التي ذُكرت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلو كانت صحيحة ، لوجب أن تكون الكلمتان غير مجراتين .