تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَهَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ} (9)

من هاهنا شَرَعَ ، تبارك وتعالى ، في ذكر قصة موسى [ عليه السلام ] {[19221]} وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه ، وذلك بعد ما قضى موسى الأجَل الذي كان بينه وبين صهْره في رعاية الغنم وسار بأهله قيل : قاصدًا بلاد مصر بعدما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ، ومعه زوجته ، فأضل الطريق ، وكانت ليلة شاتية ، ونزل منزلا بين شعاب وجبال ، في برد وشتاء ، وسحاب وظلام وضباب ، وجعل يقدح بزند معه{[19222]} ليُوريَ نارًا ، كما جرت له العادة به ، فجعل لا يقدح شيئًا ، ولا يخرج منه شرر ولا شيء . فبينا هو كذلك ، إذ آنس من جانب الطور نارًا ، أي : ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه ، فقال لأهله يبشرهم : { إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ } أي : شهاب{[19223]} من نار . وفي الآية الأخرى : { أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ } [ القصص : 29 ] وهي الجمر : الذي معه لهب ، { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [ القصص : 29 ] دلّ على وجود البرد ، وقوله : { بِقَبَسٍ } دلّ على وجود الظلام .

وقوله : { أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } أي : من يهديني الطريق ، دلّ على أنه قد تاه عن الطريق ، كما قال الثوري ، عن أبي سعد الأعور ، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : { أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } قال : من يهديني إلى الطريق . وكانوا شاتين وضلوا الطريق ، فلما رأى النار قال : إن لم أجد أحدًا يهديني إلى الطريق آتكم{[19224]} بنار توقدون بها .


[19221]:زيادة من ف.
[19222]:في ف: "له".
[19223]:في ف: "بشهاب".
[19224]:في أ: "آتيتكم".