البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَهَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ} (9)

ولما ذكر تعالى تعظيم كتابه وتضمن تعظيم رسوله أتبعه بقصة موسى ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد ، كما قال تعالى { وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك } فقال تعالى : { وهل أتاك حديث موسى } وهذا استفهام تقرير يحث على الإصغاء لما يلقى إليه وعلى التأسي .

وقيل : { هل } بمعنى قد أي قد { أتاك } ، والظاهر خلاف هذا لأن السورة مكية .

والظاهر أنه لم يكن أطلعه على قصة موسى قبل هذا .

وقيل : إنه استفهام معناه النفي أي ما أخبرناك قبل هذه السورة بقصة موسى ، ونحن الآن قاصّون قصته لتتسلى وتتأسى وكان من حديثه أنه عليه السلام لما قضى أكمل الأجلين استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته فأذن له ، وقد طالت مدة جنايته بمصر ورجا خفاء أمره ، فخرج بأهله وماله وكان في فصل الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام ، وامرأته حامل فلا يدري أليلاً تضع أم نهاراً ، فسار في البرية لا يعرف طرقها ، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق فقدح زنده فلم يور .

قيل : كان رجلاً غيوراً يصحب الرفقة ليلاً ويفارقهم نهاراً لئلا ترى امرأته ، فأضل الطريق .

قال وهب : ولد له ابن في الطريق ولما صلد زنده { رأى ناراً } .