لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

قوله عز وجل : { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا } وهذا خبر من الله عز وجل عن آدم عليه الصلاة والسلام وحواء عليها السلام واعترافهما على أنفسهما بالذنب والندم على ذلك والمعنى : قالا يا ربنا إنا فعلنا بأنفسنا من الإساءة إليها بمخالفة أمرك وطاعة عدونا وعدوك ما لم يكن لنا أن نطيعه فيه من أكل الشجرة التي نهيتنا عن أكلها { وإن لم تغفر لنا } يعني وأنت يا ربنا إن لم تستر علينا ذنبنا { وترحمنا } يعني وتتفضل علينا برحمتك { لنكونن من الخاسرين } يعني من الهالكين .

قال قتادة : قال آدم يا رب أرأيت إن تبت إليك واستغفرتك ، قال : إذاً أدخلك الجنة .

وأما إبليس فلم يسأله التوبة وسأله أن ينظره فأعطى كل واحد مهما ما سأل وقال الضحاك في قوله { ربنا ظلمنا أنفسنا } قال : هي الكلمات التي تلقّاها آدم عليه الصلاة والسلام من ربه عز وجل .

( فصل )

وقد استدل من يرى صدور الذنب من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية وأجيب عنه بأن درجة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الرقعة والعلو والمعرفة بالله عز وجل مما حملهم على الخوف منه والإشفاق من المؤاخذة بما لم يؤاخَذ به غيرهم وأنهم ربما عوتبوا بأمور صدرت منهم على سبيل التأويل والسهو فهم بسبب ذلك خائفون وجِلون وهي ذنوب بالإضافة إلى علو منصبهم وسيئات بالنسبة إلى كمال طاعتهم لا أنها ذنوب كذنوب غيرهم ومعاص كمعاصي غيرهم فكان ما صدر منهم ، مع طهارتهم ونزاهتهم وعمارة بواطنهم بالوحي السماوي والذكر القدسي وعمارة ظواهرهم بالعمل الصالح والخشية لله عز وجل ، ذنوباً وهي حسنات بالنسبة إلى غيرهم كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين . يعني أنهم يرونها بالنسبة إلى أحوالهم كالسيئات وهي حسنات لغيرهم . وقد تقدم في سورة البقرة أن أكل آدم من الشجرة هل كان قبل النبوة أو بعدها ؟ والخلاف فيه فأغنى عنه الإعادة والله أعلم .