اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

قوله : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } : ضررناها بالمِعْصِيَةِ ، وتقدَّمَ تفسِيرُهَا في سُورةِ البقَرةِ ، وأنَّها تَدُلُّ على صدور الذَّنْبِ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، إلاَّ أنَّا نقُولُ : هذا الذَّنْبُ إنَّمَا صَدَرَ عنه قَبْلَ النُّبُوَّةِ{[15949]} .

وفي قوله : { قَالاَ ربَّنَا ظَلَمْنَا أنْفُسنَا } فائدةٌ : حَذْف حرف النداء هنا تعظيم المُنَادَى ، وتَنْزِيهُهُ .

قال مَكِّي{[15950]} : كَثُر نِدَاءُ الرَّبِّ بحذف " يَا " من القرآن ، وعلّةُ ذلك أن في حذف " يا " من نداء الرَّب معنى التَّعْظِيم والتنزيه ؛ وذلك أنَّ النداءَ فيه طَرَف من معنى الأمر ؛ لأنَّكَ إذا قُلْتَ : يا يزيدُ فمعناه : تعالا يا زَيْدُ أدعوك يا زَيْدُ ، فحُذِفَتْ " يا " من نداء الرَّبِّ ليزول معنى الأمر وينقص ، لأنَّ " يا " تُؤكِّده ، وتُظهرُ معناهُ ، فكان في حذف " يا " الإجلال ، والتعظيم ، والتنزيه .

قوله : { وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ } هذا شرط حُذِفَ جوابه لدلالة جواب القسم المقدَّر عليه ، فإن قيل : حرف الشَّرْطِ لام التَّوْطِئَةِ للقسم مقدرة كقوله : { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ } [ المائدة : 73 ] ويَدُلُّ على ذلك كثرةُ ورُوُدِ لامِ التَّوْطِئَةِ قبل أداة الشَّرطِ في كلامهم . وتقدَّم إعرابُ ما بعد ذلك في البقرة .


[15949]:ينظر: تفسير الرازي 14/42.
[15950]:ينظر: المشكل 1/308.