الآية 23 وقوله تعالى : { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا } حين{[8186]} أوقعناها في الشدائد وكد العيش . والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه .
وقوله تعالى : { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا } قال الحسن : هن الكلمات{[8187]} التي تلقّاها آدم من ربه كقوله تعالى : { فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه } [ البقرة : 37 ] ؛ قال آدم ما ذكر في الآية ، وكذلك قال نوح : { قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } [ هود : 48 ] . وقال إبراهيم : { ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين } [ إبراهيم : 41 ] وقال نوح : { رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا } [ نوح : 28 ] بعضه خرج على الأمر ، وبعضه على السؤال ، وكله على الدعاء .
والسؤال ليس على الأمر ، وإن خرج ظاهره مخرج الأمر ، لأن الأمر ممّن هو دونه لمن فوقه أمر ، لو أن ملكا من الملوك إذا أمره بعض خدمه أو رعيّته شيئا{[8188]} ، فهو ليس بأمر ، لكنه سؤال ودعاء . فعلى ذلك دعاء الأنبياء عليهم السلام ربهم .
فإن قيل : إن الرسل سألوا ربهم المغفرة لزلاّتهم في الملإ فلا يخلو : إما أن يجابوا{[8189]} في ذلك ، [ وإما ألاّ ]{[8190]} يجابوا ؛ فإن لم يجابوا في ما سألوا فهو عظيم ، وإن{[8191]} أجيبوا في ذلك [ غفر لهم ]{[8192]} ، والمغفرة في اللغة الستر . كيف ذكرت زلاّتهم في الملإ إلى يوم القيامة ؟
قيل : لوجوه : أحدها : لما ارتكبوا تلك الزّلات عظم [ الأمر عليهم ]{[8193]} واشتغلت قلوبهم بذلك لعظم ما ارتكبوا عندهم ، لم يخطر ببالهم عند سؤالهم المغفرة ستر ذلك على الناس وكتمانها عنهم بعد أن أجاب الله بالتجاوز عنهم في ذلك .
أو أن يقال : أراد بإفشاء ذلك وإظهاره إيقاظ غيرهم وتنبيها في ذلك ليعلموا أن الرسل مع جليل قدرهم{[8194]}وعظيم منزلتهم عند الله لم يحاسبهم في العتاب والتوبيخ بما ارتكبوا ، فمن دونهم أحق [ بذلك ، أو أنه ]{[8195]} ذكر ذلك ليعلموا أنه ليس بغافل عن ذلك ، ولا يخفى عليه شيء ، والله أعلم بذلك .
وقال{[8196]} تعالى : { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا } وقال : { وعصى آدم ربه فغوى } [ طه : 121 ] وقال : { فنسي ولم نجد له عزما } [ طه : 115 ] فأعلمنا الله عز وزجل أن آدم نسي أمر ربه . فقال قوم من أهل العلم [ لو ]{[8197]} أكل آدم من الشجرة ، وهو ناس لنهى الله إياه عن أكلها ، وكان أكله منها ظلما منه لنفسه وعصيانا لربه ، وإن فعل{[8198]} ذلك ناسيا ، ثم إن الله تفضّل على أمة محمد ، فرفع عنهم [ الخطأ والنسيان ]{[8199]}وما استكرهوا عليه{[8200]} .
وقال قوم : معنى قوله تعالى : { فنسي } أي ترك أمر ربه من غير نسيان ، وقالوا : هذا كقول الله تعالى : { نسوا الله فنسيهم } [ التوبة : 67 ] ولا ندري كيف كان ذلك ؟
وقال بعض أهل العلم : إن ]{[8201]} الخطأ والنسيان في الأحكام موضوع بهذا الحديث ؛ فيقال : فما تقولون في قتل الخطأ ؟ هل فيه الدّية والكفّارة ؟ وما تقولون في رجل أفسد متاع رجل ، وأحرقه ، ناسيا أو مخطئا ؟ فإن قالوا : ذلك لازم عليه فكيف قلتم : إن الحديث الذي جاء في [ وضع ]{[8202]} الأحكام ، وأنتم توجبون الضمّان ؟ وقال بعضهم : وجه الحديث عندنا أن الأمم قبل أمّتنا كانت مأخوذة بالخطأ والنسيان في ما بينها وبين ربها ، فرفع الله تعالى الحرج عن هذه الأمة في ذلك تفضيلا منه علينا من بين الأمم .
وأما الغرامات والضّمانات في الأحكام التي بين الناس فهي لازمة عليهم{[8203]} ؛ خطأ فعلوا أو عمدا ، والله أعلم .
وفي قوله تعالى : { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا } دلالة النقض على المعتزلة : إنهم يقولون : الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر ، ثم من قوله . إن الرسل والأنبياء معصومون عن الكبائر ، فزلّة آدم ، لا شك أنها صغيرة لما ذكرنا ، ثم قال تعالى : { وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين } فإذا لم يكن له إلا أن يعذبه ، يصير كأنه قال : إن جرت ، وظلمت ، علينا { لنكوننّ من الخاسرين } .
وفائدة تعزيز آدم أن يكونا من الملائكة ؛ لأن الملك [ على ]{[8204]} ما ذكر لا يفتر عن العبادة{[8205]} ، ولا يعصي{[8206]}ربه ، ولا يحتاج إلى شيء من المؤونة . /171-أ/ ومن قرأ ملكين{[8207]} لأن الملك يكون نافذ الأمر والقول في مملكته وذلك مما يرغب فيه ، أو أن يكون بذلك ليشغلهما عن نهي ربهما حتى ينسيا ذلك ، فيتناولا من تلك الشجرة على ما فعلا ، وفي ما ذكر الخلق ، ولأنه ليس شيء{[8208]} ألذ ولا أشهى من الحياة .
والأشبه أن يقال : إنهما{[8209]} لم ينسيا نهي الله إياهما عن التناول منها ، ولكن نسيا{[8210]} قوله تعالى : { فتكونا من الظالمين } [ الأعراف : 19 ] لذلك تناولا . ولو ذكرا قوله تعالى { فتكونا من الظالمين } ما تناولا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.