صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

{ ليقض علينا ربك } أي ليمتنا لنستريح ؛ من قضي عليه : إذا أماته .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

قوله تعالى : { ونادوا يا مالك } يدعون خازن النار ، { ليقض علينا ربك } ليمتنا ربك فنستريح فيجيبهم مالك بعد ألف سنة ، { قال إنكم ماكثون } مقيمون في العذاب .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة يذكره عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن أهل النار يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً ، ثم يرد عليهم إنكم ماكثون ، قال : " هانت -والله- دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ، ثم يدعون ربهم فيقولون : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، قال : فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ، ثم يرد عليهم : اخسؤوا فيها ولا تكلمون ، قال : فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة ، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم ، تشبه أصواتهم بأصوات الحمير ، أولها زفير وآخرها شهيق " .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

{ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } ليمتنا فنستريح { قال إنكم ماكثون } مقيمون في العذاب

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

قوله تعالى : " ونادوا يا مالك " وهو خازن جهنم ، خلقه لغضبه ، إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضا . وقرأ علي وابن مسعود رضي الله عنهما " ونادوا يا مالِ " وذلك خلاف المصحف . وقال أبو الدرداء وابن مسعود : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " ونادوا يا مال " باللام خاصة ؛ يعني رخم الاسم وحذف الكاف . والترخيم الحذف ، ومنه ترخيم الاسم في النداء ، وهو أن يحذف من آخره حرف أو أكثر ، فتقول في مالك : يا مال ، وفي حارث : يا حار ، وفي فاطمة : يا فاطم ، وفي عائشة يا عائش وفي مروان : يا مرو ، وهكذا . قال :

يا حار لا أُرْمَيْن منكم به بداهية *** لم يلقَها سُوقَةٌ قَبْلِي ولا مَلِكُ{[13686]}

وقال امرؤ القيس :

أحار ترى بَرْقًا أريكَ وميضَه *** كلمع اليدين في حَبِيٍّ مُكَلَّلِ{[13687]}

وقال أيضا :

أفاطمَ مهلاً بعضَ هذا التَّدَلُّلِ *** وإن كنتِ قد أزمعْتِ صَرْمِي فأجملِي{[13688]}

وقال آخر{[13689]} :

يا مروَ إن مطيَّتِي محبوسةٌ *** ترجُو الحِبَاءَ ورَبُّهَا لم يَيْأَسِ

وفي صحيح الحديث ( أي فل ، هلم ) . ولك في آخر الاسم المرخم وجهان : أحدهما : أن تبقيه على ما كان عليه قبل الحذف . والآخر : أن تبقيه على الضم ، مثل : يا زيد ، كأنك أنزلته منزلته ولم تراع المحذوف . وذكر أبو بكر الأنباري قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد - وهو ابن سعدان - قال حدثنا حجاج عن شعبة عن الحكم بن عيينة عن مجاهد قال : كنا لا ندري ما الزخرف حتى وجدناه في قراءة عبد الله " بيت من ذهب " {[13690]} ، وكنا لا ندري " ونادوا يا مالك " أو يا ملك ( بفتح اللام وكسرها ) حتى وجدناه في قراءة عبد الله " ونادوا يا مال " على الترخيم . قال أبو بكر : لا يعمل على هذا الحديث لأنه مقطوع لا يقبل مثله في الرواية عن الرسول عليه السلام ، وكتاب الله أحق بأن يحتاط له وينفى عنه الباطل .

قلت : وفي صحيح البخاري عنه صفوان بن يعلى عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر : " ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك " بإثبات الكاف .

وقال محمد بن كعب القرظي : بلغني - أو ذكر لي - أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال الله تعالى : " وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب " {[13691]} [ غافر : 49 ] فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب ، فردت عليهم : " قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " [ غافر :50 ] قال : فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكا ، وهو عليهم وله مجلس في وسطها ، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب ، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا : " يا مالك ليقض علينا ربك " سألوا الموت ، قال : فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة ، قال : والسنة ستون وثلاثمائة يوم ، والشهر ثلاثون يوما ، واليوم كألف سنة مما تعدون ، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال : " إنكم ماكثون " وذكر الحديث . ذكره ابن المبارك . وفي حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ فيقولون ادعوا مالكا فيقولون يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ] . قال الأعمش : نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام . خرجه الترمذي . وقال ابن عباس : يقولون ذلك فلا يجيبهم ألف سنة ، ثم يقول إنكم ماكثون . وقال مجاهد ونوف البكالي : بين ندائهم وإجابته إياهم مائة سنة . وقال عبد الله بن عمرو : أربعون سنة . ذكره ابن المبارك .


[13686]:البيت لزهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة يخاطب بها الحارث بن ورقاء الصيداوي وكان أغار على بني عبد الله ابن غطفان فغنم وأخذ ابل زهير وراعيته يسارا، فطالبهم ببذلك ليردوا عليه ما أخذوه وتوعدهم بالهجاء...الخ، راجع شرح ديوان زهير ص 164 المطبوع بدار الكتب المصرية.
[13687]:يروى " أصاح". والحبي: السحاب المعترض بالأفق. والمكلل: المتراكب.
[13688]:فاطمة هي ابنة عبيد بن ثعلبة بن عامر. والصرم (بالضم): القطيعة.
[13689]:هو الفرزدق يخاطب مروان بن الحكم وكان واليا على المدينة فوفد عليه مادحا له، فأبطأ عليه جائزته...والحباء (بكسر الحاء المهملة): العطاء. وجعل الرجاء للناقة وهو يريد نفسه مجازا. (شرح الشواهد للشنتمري).
[13690]:في قوله تعالى:" أو يكون لك بيت من زخرف" آية 93 سورة الإسراء. راجع ج 10 ص 331.
[13691]:آية 49 سورة غافر.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

ولما كان من مفهوم الإبلاس السكوت ، أعلم بأن سكوتهم ليس دائماً لأن الإنسان إذا وطن نفسه على حالة واحدة ربما خف عنه بعد الألم ، فقال مبيناً أنهم من البعد بمحل كبير لا يطمعون معه في خطاب الملك ، وأنهم مع علمهم باليأس يعلقون آمالهم بالخلاص كما يقع للمتمنين للمحالات في الدنيا ليكون ذلك زيادة في المهم : { ونادوا } ثم بين أن المنادي خازن النار فقال مؤكداً لبيان البعد بأداته : { يا مالك } وقراءة " يا مال " للإشارة إلى أن العذاب أوهنهم عن إتمام الكلام ، ولذا قالوا : { ليقض علينا } أي سله سؤالاً حتماً أن يقضي القضاء الذي لا قضاء مثله ، وهو الموت على كل واحد منا ، وجروا على عادتهم في الغباوة والجلافة فقالوا : { ربك } أي المحسن إليك فلم يروا لله عليهم إحساناً وهم في تلك الحالة ، فلا شك أن إحسانه ما انقطع عن موجود أصلاً ، وأقل ذلك أنه لا يعذب أحداً منهم فوق استحقاقه ، ولذلك جعل النار دركات كما كانت الجنة درجات ، ويجوز أن تكون عبارتهم بذلك تغييظاً له بما رأوا من ملابسة النار من تأثير فيه ، ونداؤهم لا ينافي إبلاسهم لأنه السكوت عن يأس ، وذلك لازم لهم لأنهم كلما سكتوا كان سكوتهم عن يأس ، فسكوتهم المقيد باليأس دائم ، فلذلك سألوا الموت ، والحاصل أنهم لا يتكلمون بما يدل على رجاء الفرج بل هم ساكتون أبداً عن ذلك .

. . اليأس لا على رجاء الفرج باللحاق برتبة المتقين .

ولما ذكر نداءهم ، استأنف ذكر جوابهم بقوله : { قال } أي مالك عليه الصلاة والسلام مؤكداً لأطماعهم لأن كلامهم هذا بحيث يفهم الرجاء ويفهم بأن رحمة الله تعالى التي هي موضع الرجاء خاصة بغيرهم { إنكم ماكثون } .