صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

{ واذكر عبدنا داود } قص الله تعالى في هذه السورة قصص طائفة من الأنبياء عليه السلام ؛

تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم . أي اذكر ما حصل لهم من المشاق والمحن ؛ فصبروا عليها حتى فرج الله عنهم ، فكانت عاقبتهم أحسن عاقبة ، فكذلك أنت ! تصبر ، وأمرك آيل لا محالة إلى أحسن حال .

{ ذا الأيد } أي القوة في العبادة والدين . يقال : آد الرجل يئيد أيدا وإيادا ، إذا قوي واشتد ، فهو أيد ؛ ومنه : أيدك الله تأييدا . { إنه أواب } رجاع إلى ما يرضى الله . وروى في تفسيره : أنه الرجل يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله تعالى ؛ من آب الرجل إلى أهله : رجع .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

ولما بلغ السيل في ركوبهم الباطل عناداً - الزبى ، وتجاوز في طغيانه رؤوس الربى ، وكان سؤالهم في تعجيل العذاب استهزاء مع ما قدموا من الإكذاب ، والكلام البعيد عن الصواب ، ربما اقتضى أن يسأل في تعجيل ما طلبوا ، وربما أوقع في ظن أن إعراضهم والابتلاء بهم ربما كان لشيء في البلاغ أو المبلغ ، بين تعالى أن عادته الابتلاء للصالحين رفعة لدرجاتهم ، فقال تعالى مسلياً ومعزياً ومؤسياً لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بمن تقدمه من إخوانه الأنبياء والمرسلين ، مذكراً له بما قاسوا من الشدائد وما لاقوا من المحن ، وحاثاً على العمل بأعمالهم آمراً بالتأني والتؤدة والحلم ، ومحذراً من العجلة والتبرم والضجر ، وبدأ بأهل الشرف لأن السياق لشرف القرآن الذي يلزم منه شرف صاحبه ، تعريفاً بأنه لا يلزم من الشرف الراحة في الدنيا ، ومنبهاً على أن شرفه محوج عن قرب بكثرة الأتباع إلى الحكم بين ذوي الخصومات والنزاع الذي لا قوام له إلا بالحلم والأناة والصبر ، وبدأ من أهل الشرف بمن كان أول أمره مثل أول أمر هذا النبي الكريم في استضعاف قومه له وآخر أمره ملكاً ثابت الأركان مهيب السلطان ، ليكون حاله مثلاً له فيحصل به تمام التسلية : { اصبر } وأشار بحرف الاستعلاء إلى عظيم الصبر فقال : { على ما } وزاد في الحث عليه بالمضارع فقال : { يقولون } أي يجددون قوله في كل حين من الأقوال المنكية الموجعة المبكية ، فإنه ليس لنقص فيك ، ولكنه لحكم تجل عن الوصف ، مدارها زيادة شرفك ورفعة درجاتك ، وصرف الكلام إلى مقام العظمة لاقتضاء ما يذكر من التسخير لذلك : { واذكر عبدنا } أي الذي أخلصناه لنا وأخلص نفسه للنظر إلى عظمتنا والقيام في خدمتنا ، وأبدل منه أو بينه بقوله : { داود ذا الأيد } أي القوى العظيمة في تخليص نفسه من علائق الأجسام ، فكانت قوته في ذلك سبباً لعروجه إلى المراتب العظام .

ولما كان أعظم الجهاد الإنقاذ من حفائر الهفوات وأوامر الشهوات ، بالإصعاد في مدارج الكمالات ، ومعارج الإقبال ، وكان ذلك لا يكاد يوجد في الآدميين لما حفوا به من الشهوات وركز في طباعهم من الغفلات ، علل قوته بقوله مؤكداً : { إنه أواب * } أي رجاع إلى الله تعالى ليصير إلى ما خلقه عليه من أحسن تقويم بالعقل المحض أطلق العلو درجة درجة على الرجوع ، لأن ذلك دون الرتبة التي تكون نهاية عند الموت ، فكان المقضي له بها أنزل نفسه عنها ، ثم صار يرجع إليها كل لحظة بما يكابد من المجاهدات والمنازلات والمحاولات حتى وصل إليها بعد التجرد عن الهوى كله .