فلما نصحهم وحذرهم وأنذرهم ولم يطيعوه ولا وافقوه قال لهم :
{ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ } من هذه النصيحة ، وسترون مغبة عدم قبولها حين يحل بكم العقاب ، وتحرمون جزيل الثواب .
{ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ } أي : ألجأ إليه وأعتصم ، وألقي أموري كلها لديه ، وأتوكل عليه في مصالحي ودفع الضرر الذي يصيبني منكم أو من غيركم . { إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } يعلم أحوالهم وما يستحقون ، يعلم حالي وضعفي فيمنعني منكم ويكفيني شركم ، ويعلم أحوالكم فلا تتصرفون إلا بإرادته ومشيئته ، فإن سلطكم علي ، َّ فبحكمة منه تعالى ، وعن إرادته ومشيئته صدر ذلك .
قوله تعالى : " فستذكرون ما أقول لكم " تهديد ووعيد . و " ما " يجوز أن تكون بمعنى الذي أي الذي أقوله لكم . ويجوز أن تكون مصدرية أي فستذكرون قولي لكم إذا حل بكم العذاب . " وأفوض أمري إلى الله " أي أتوكل عليه وأسلم أمري إليه . وقيل : هذا يدل على أنهم أرادوا قتله . وقال مقاتل : هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه . وقد قيل : القائل موسى . والأظهر أنه مؤمن آل فرعون ، وهو قول ابن عباس .
ولما تقرر أنه لا أمر لغير الله وأنه لا بد من المعاد ، تسبب عنه بقوله : { فستذكرون } أي قطعاً بوعد لا خلف فيه مع القرب { ما أقول لكم } حين لا ينفعكم الذكر في يوم الجمع الأعظم والزحام الذي يكون فيه القدم على القدم إذا رأيتم الأهوال والنكال والزلزال إن قبلتم نصحي وإن لم تقبلوه . ولما ذكر خوفهم الذي لا يحميهم منه شيء ذكر خوفه الذي هو معتمد فيه على الله ليحميه منه فقال عاطفاً على " ستذكرون " غير مراعى فيها معنى السين : { وأفوض } أي أنا الآن بسبب أنه لا دعوة لغير الله { أمري } فيما تمكرونه بي { إلى الله } أي الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة فهو يحميني منكم : إن شاء ، قال صاحب المنازل : التفويض ألطف إشارة وأوسع من التوكل بعد وقوع السبب ، والتفويض قبل وقوعه وبعده ، وهو عين الاستسلام ، والتوكل شعبة منه ، وهو على ثلاث درجات : الأولى أن تعلم أن العبد لا يملك قبل علمه استطاعة ، فلا يأمن من مكر ، ولا ييأس من معونة ، ولا يعول على نية ، والثانية معاينة الاضطرار فلا ترى عملاً منجياً ولا ذنباً مهلكاً ولا سبباً حاملاً ، والثالثة شهود انفراد الحق بملك الحركة والسكون والقبض والبسط والتفريق والجمع .
ولما علق تفويضه بالاسم العلم الجامع المقتضي للإحاطة ، على ذلك بياناً لمراده بقوله مؤكداً لأن عملهم في مكرهم به عمل من يظن أن سبحانه لا يبصرهم ولا ينصره { إن الله } وكرر الاسم الأعظم بياناً لمراده بأنه { بصير } أي بالغ البصر { بالعباد * } ظاهراً وباطناً ، فيعلم من يستحق النصرة لاتصافه بأوصاف الكمال ويعلم من يمكر فيرد مكره عليه بما له من الإحاطة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.