نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَسَتَذۡكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمۡۚ وَأُفَوِّضُ أَمۡرِيٓ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (44)

ولما تقرر أنه لا أمر لغير الله وأنه لا بد من المعاد ، تسبب عنه بقوله : { فستذكرون } أي قطعاً بوعد لا خلف فيه مع القرب { ما أقول لكم } حين لا ينفعكم الذكر في يوم الجمع الأعظم والزحام الذي يكون فيه القدم على القدم إذا رأيتم الأهوال والنكال والزلزال إن قبلتم نصحي وإن لم تقبلوه . ولما ذكر خوفهم الذي لا يحميهم منه شيء ذكر خوفه الذي هو معتمد فيه على الله ليحميه منه فقال عاطفاً على " ستذكرون " غير مراعى فيها معنى السين : { وأفوض } أي أنا الآن بسبب أنه لا دعوة لغير الله { أمري } فيما تمكرونه بي { إلى الله } أي الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة فهو يحميني منكم : إن شاء ، قال صاحب المنازل : التفويض ألطف إشارة وأوسع من التوكل بعد وقوع السبب ، والتفويض قبل وقوعه وبعده ، وهو عين الاستسلام ، والتوكل شعبة منه ، وهو على ثلاث درجات : الأولى أن تعلم أن العبد لا يملك قبل علمه استطاعة ، فلا يأمن من مكر ، ولا ييأس من معونة ، ولا يعول على نية ، والثانية معاينة الاضطرار فلا ترى عملاً منجياً ولا ذنباً مهلكاً ولا سبباً حاملاً ، والثالثة شهود انفراد الحق بملك الحركة والسكون والقبض والبسط والتفريق والجمع .

ولما علق تفويضه بالاسم العلم الجامع المقتضي للإحاطة ، على ذلك بياناً لمراده بقوله مؤكداً لأن عملهم في مكرهم به عمل من يظن أن سبحانه لا يبصرهم ولا ينصره { إن الله } وكرر الاسم الأعظم بياناً لمراده بأنه { بصير } أي بالغ البصر { بالعباد * } ظاهراً وباطناً ، فيعلم من يستحق النصرة لاتصافه بأوصاف الكمال ويعلم من يمكر فيرد مكره عليه بما له من الإحاطة .