مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَسَتَذۡكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمۡۚ وَأُفَوِّضُ أَمۡرِيٓ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (44)

ولما بالغ مؤمن آل فرعون في هذه البيانات ختم كلامه بخاتمة لطيفة فقال : { فستذكرون ما أقول لكم } وهذا كلام مبهم يوجب التخويف ويحتمل أن يكون المراد أن هذا الذكر يحصل في الدنيا وهو وقت الموت ، وأن يكون في القيامة وقت مشاهدة الأهوال وبالجملة فهو تحذير شديد ، ثم قال : { وأفوض أمري إلى الله } وهذا كلام من هدد بأمر يخافه فكأنهم خوفوه بالقتل وهو أيضا خوفهم بقوله { فستذكرون ما أقول لكم } ثم عول في دفع تخويفهم وكيدهم ومكرهم على فضل الله تعالى فقال : { وأفوض أمري إلى الله } وهو إنما تعلم هذه الطريقة من موسى عليه السلام ، فإن فرعون لما خوفه بالقتل رجع موسى في دفع ذلك الشر إلى الله حيث قال : { إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } فتح نافع وأبو عمرو الياء من { أمري } والباقون بالإسكان .

ثم قال : { إن الله بصير بالعباد } أي عالم بأحوالهم وبمقادير حاجاتهم ، وتمسك أصحابنا بقوله تعالى : { وأفوض أمري إلى الله } على أن الكل من الله ، وقالوا إن المعتزلة الذين قالوا إن الخير والشر يحصل بقدرتهم قد فوضوا أمر أنفسهم إليهم وما فوضوها إلى الله ، والمعتزلة تمسكوا بهذه الآية فقالوا إن قوله { أفوض } اعتراف بكونه فاعلا مستقلا بالفعل ، والمباحث المذكورة في قوله { أعوذ بالله } عائدة بتمامها في هذا الموضع . وهاهنا آخر كلام مؤمن آل فرعون ، والله الهادي .