تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوۡمِي كَذَّبُونِ} (117)

[ الآيتان 117 و118 ] ثم دعا نوح عند ذلك ، فقال : { رب إن قومي كذبون } أي اقض بيني وبينهم قضاء ، أي اقض عليهم بالعذاب والهلاك .

ألا ترى أنه قال : { ونجني ومن معي من المؤمنين } ؟ فدل سؤاله نجاة نفسه ومن معه من المؤمنين على أن قوله : { فافتح بيني وبينهم فتحا } سأل ربه هلاك من كذبه ، وهو ما قال في آية{[14743]} أخرى { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } [ الأعراف : 89 ] الذي وعدت أنه ينزل بهم ، وهو العذاب . فعلى ذلك هذا .

ثم لا يحتمل أن يكون هذا منه في أول تكذيب كان منهم ، بل كان ذلك بعد ما أيس من إيمانهم لأنه لبث فيهم ما قال الله تعالى : { ألف سنة إلا خمسين عاما } [ العنكبوت : 14 ] وفي كل ذلك دعاهم إلى توحيد الله . وإنما دعا عليهم بالهلاك بعد ما أخبر الله عن أمرهم وإياسه من إيمانهم . فقال : { لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } [ هود : 36 ] .

وأذن له بالدعاء عليهم بما دعا ، إذ الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، لا يدعون على قومهم بالهلاك إلا بإذن من الله في ذلك .

ألا ترى أنه ذكر أنه عاتب يونس بالخروج من بينهم بلا إذن كان من الله له بالخروج من بينهم{[14744]} ؟ فإذا عوتب هو بالخروج بلا إذن فلا يحتمل أن يدعو بالهلاك بلا إذن ، والله أعلم .


[14743]:- في الأصل وم: قصة.
[14744]:- إشارة إلى قوله تعالى: {إذ أبق إلى الفلك المشحون} [الصافات:140].