تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (171)

وقوله تعالى : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين } { إنهم لهم المنصورون } { وإن جندنا لهم الغالبون } اختلف فيه : قال بعضهم : إن الرسل عليهم السلام كانوا منصورين . لم يقتل رسول قط . فإنما قُتل الأنبياء ورسل المرسلين الذين يبلّغون رسالة الرسل إلى قومهم ، ويخبرون عنهم . فأما الرسل أنفسهم فهم لم يقتلوا ولا قُتل أحد منهم ، عصمهم الله تعالى عن الناس ، وعما هَمّوا بهم .

وقال بعضهم : { إنهم لهم المنصورون } لما نصر العاقبة لهم ، إذ لم يكن رسول إلا وقد كانت العاقبة له ، وإن غُلب في الابتداء .

وقال بعضهم : { إنهم لهم المنصورون } بالحجج والآيات والبراهين . إنهم يغلبون بحججهم وآياتهم ، ويرفعون بها الشّبه والتمويهات ، والله أعلم .

ويستدل صاحب التأويل الأول بقوله عز وجل : { وكأيّن من نبي قاتل معه ربِّيُّون كثير } وفي بعض القراءات : قُتل معه ربِّيُّون كثير { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } [ آل عمران : 146 ] أخبر أنهم ، وإن قُتلوا ، فإنهم لم يهنوا ، ولم يضعفوا . ثم قال عز وجل { وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أرمنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } [ آل عمران : 147 ] ثم أخبر أنه آتاهم الله ذلك حين قال : { فآتاهم الله [ ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين } ] [ آل عمران : 148 ] والله أعلم .

دلّ ، وإن غُلبوا ، وقتلوا ، فهم المنصورون .

ثم قوله : { إنهم لهم المنصورون } ذكر { إنهم لهم المنصورون } بحرفين ، ومعناهما واحد على التأكيد كقوله : عز وجل : { وإنا لنحن الصافّون } [ الصافات : 165 ] وقوله : { إنني أنا الله } طه : 14 ، وإن كان الواحد كافيا .