تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِينَ} (169)

اختُلف فيه : قال بعضهم : إن أهل مكة كانوا يقولون قبل أن يبعث محمدا صلى الله عليه وسلم : قاتل الله اليهود والنصارى ، كذّبوا أنبياءهم ، لو أنهم ذكروا أنباءً من الأولين { لكنّا عباد الله المخلصين } قد قالوا ذلك ، وأكذبوا القول فيه بالقسم بالله تعالى ، أخبر الله عنهم بقوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكوننّ أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا } [ فاطر : 42 ] أي نفورا من ربهم والله أعلم .

وقال بعضهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوعدهم أن ينزل بهم العذاب بعبادتهم الأصنام على ما نزل بالأولين من العذاب بعبادتهم الأصنام وتكذيبهم الرسل عليهم السلام فيقولون عند ذلك { لو أن عندنا ذِكرا من الأولين } أي خبرا من الأمم الماضية أنهم على ماذا أهلكوا ؟ لو علمنا أنهم أهلكوا بما يذكر محمد { لكنا عباد الله المخلصين } فقصّ الله تعالى عليهم خبر الأولين أن العذاب إنما أنزل بهم بما ذكر محمد عليه السلام فلم يقبلوا ، وكفروا به ، عنادا منهم .

ويحتمل أن يكون هذا منهم احتجاجا : أن آباءنا قد عبدوا الأصنام ، ففعلوا ما نحن فاعلون ، ثم لم ينزل بهم العذاب .

فلو كان صنيعهم غير مرضيّ عند الله تعالى ، وإن كانوا غير مأمورين به ، ما تركهم على ذلك .

وهو كقوله : { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا } [ الأنعام : 148 ] وقوله : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها } [ الأعراف : 28 ] ونحو ذلك من الاحتجاج والباطل .

فعلى ذلك يحتمل أن يكون قولهم الذي قالوا : { لو أن عندنا ذكرا من الأولين } { لكنا عباد الله المخلصين } أي لم يهلكوا بما نحن فيه ، [ إنما يذكر ذلك لشيء ] آخر .