الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (7)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر عنهم، فقال: {ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم} من ذنوبهم وتكذيبهم بالله ورسوله. {والله عليم بالظالمين} يعني اليهود.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"وَلا يَتَمَنّوْنَهُ أبَدا "يقول: ولا يتمنى اليهود الموت "أبدا بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ" يعني: بما اكتسبوا في هذه الدنيا من الآثام، واجترحوا من السيئات.

"وَاللّهُ عَلِيمٌ بالظّالِمِينَ" يقول: والله ذو علم بمن ظلم من خلقه نفسه، فأوبقها بكفره بالله.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

الآية تدل على رسالة رسولنا صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان يقوله من نفسه، لكانوا يبادرون، فيتمنون الموت للحال، ليظهر كذبه فيه. فلما أخبر أنهم لا يتمنونه أبدا، ولم يتمنوه، تبين أنه قال من الوحي، وأنهم علموا ذلك حتى امتنعوا عن التمني خوف الهلاك على أنفسهم لعلمهم أنهم لو تمنوا لماتوا، والله أعلم...

{بما قدمت أيديهم} أي من تحريف التوراة والإنجيل، لأن قول النصارى: {نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة: 18] لم يكن في الإنجيل، وقول اليهود: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم} [البقرة: 111] لم يكن في التوراة، ولكنهم غيروا، وبدلوا، فلا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم من تحريف هذه الآيات وتبديلها، وتغيير نعت محمد عليه السلام. وقوله تعالى: {والله عليم بالظالمين} يعني {عليم} بظلمهم الآيات وعنادهم لها ومكابرتهم إياها...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً} بسبب ما قدّموا من الكفر... فلولا أنهم كانوا موقنين بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لتمنوا، ولكنهم علموا أنهم لو تمنوا لماتوا من ساعتهم ولحقهم الوعيد، فما تمالك أحد منهم أن يتمنى؛ وهي إحدى المعجزات...

ولا فرق بين «لا» و «لن» في أن كل واحدة منهما نفي للمستقبل، إلا أن في «لن» تأكيداً وتشديداً ليس في «لا» فأتى مرّة بلفظ التأكيد {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ} [البقرة: 95] ومرّة بغير لفظه {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ} [الجمعة: 7]...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ولا يتمنونه} أي في المستقبل، واكتفى بهذا في التعبير بلا لأن المذكور من دعواهم هنا أنهم أولياء لا كل الأولياء فهي دون دعوى الاختصاص بالآخرة، وأيضاً الولاية للتوسل إلى الجنة، ولا يلزم منها الاختصاص بالنعمة بدليل أن الدنيا ليست خالصة للأولياء المحقق لهم الولاية، بل البر والفاجر مشتركون فيها. ولما أخبر بعدم تمنيهم، وسع لهم المجال تحقيقاً للمراد فقال: {أبداً} وعرف أن سببه معرفتهم بأنهم أعداء الله فقال: {بما قدمت} ولما كان أكثر الأفعال باليد، نسب الكل إليها لأنها صارت عبارة عن القدرة فقال: {أيديهم} أي من المعاصي التي أحاطت بهم فلم تدع لهم حظاً في الآخرة بعلمهم. ولما كان التقدير تسبباً عن هذا: لئلا يقولوا: سلمنا جميع ما قيل في الظالمين لكنا لسنا منهم فاللّه عليم بهم في أفعالهم ونياتهم، عطف عليه قوله معلقاً بالوصف تعميماً وإعلاماً بأن وصف ما قدموا من الظلم {والله} أي الذي له الإحاطة بكل شيء قدرة وعلماً {عليم} أي بالغ العلم محيط بهم -هكذا كان الأصل، ولكنه قال: {بالظالمين} تعميماً وتعليقاً بالوصف لا بالذات، فالمعنى أنه عالم بأصحاب هذا الوصف الراسخين فيه منهم ومن غيرهم فهو يجازيهم على ظلمهم وهم يعلمون ذلك...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والباء في {بما قدمت أيديهم} سببية متعلقة بفعل {يتمنونه} المنفي فما قدمت أيديهم هو سَبب انتفاء تمنيهم الموت ألقى في نفوسهم الخوف مما قدمت أيديهم فكان سبب صرفهم عن تمنّي الموت لتقدم الحجة عليهم...

والأيدي مجاز في اكتساب الأعمال لأن اليد يلزمها الاكتساب غالباً. وَمَصْدَقُ « ما قدمت أيديهم» سيئاتهم ومعاصيهم بقرينة المقام...