ثم توعدهم بأنهم سيذكرون قوله عن حلول العذاب بهم ، وسوف بالسين{[10007]} . إذ الأمر محتمل أن يخرج الوعيد في الدنيا أو في الآخرة ، وهذا تأويل ابن زيد . وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو فتح الياء من : «أمريَ » .
هذا الكلام متاركة لقومه وتنهية لخطابه إياهم ولعله استشعر من ملامحهم أو من مقاطعتهم كلامه بعبارات الإِنكار ، ما أيْأَسَه من تأثرهم بكلامه ، فتحدّاهم بأنهم إن أعرضوا عن الانتصاح لنصحه سيندمون حين يرون العذاب إما في الدنيا كما اقتضاه تهديده لهم بقوله : { إنِّي أخافُ عليكم مِثْلَ يَوْممِ الأحْزَابِ } [ غافر : 30 ] ، أو في الآخرة كما اقتضاه قوله : { إنِّي أخافُ عليكم يَومَ التَّنادِ } [ غافر : 32 ] ، فالفاء تفريع على جملة { ما لِيَ أدْعُوكم إلى النجاة وتَدْعُونني إلى النَّار } [ غافر : 41 ] .
وفعل { ستذكرون } مشتق من الذُّكْر بضم الذال وهو ضد النسيان ، أي ستذكرون في عقولكم ، أي ما أقول لكم الآن يحضر نصب بصائركم يوم تحققه ، فشبه الإِعراض بالنسيان ورمز إلى النسيان بما هو من لوازمه في العقل مُلازمةَ الضد لضده وهو التذكر على طريقة المكنية وفي قرينتها استعارة تبعية . والمعنى سيحلّ بكم من العذاب ما يُذَكِّركم ما أقوله : إنَّه سيحل بكم .
وجملة { وَأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله } عطف على جملة { ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار } ، ومساق هذه الجملة مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشرّ ، يعني : أني أَكِل شأني وشأنكم معي إلى الله فهو يجزي كل فاعل بما فعل ، وهذا كلام مُنصِف فالمراد ب { أمري } شأني ومُهمّي . ويدل لمعنى الانتصاف تعقيبه بقوله : { إن الله بَصيرٌ بالعِبَادِ } معللاً تفويض أمره معهم إلى الله بأن الله عليم بأحوال جميع العباد فعموم العباد شَمِله وشمل خصومَهُ .
وقال في « الكشاف » قوله : { وأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله } لأنهم توعدوه ا ه . يعني أن فيه إشعاراً بذلك بمعونة ما بعده .
و { العباد } الناس يطلق على جماعتهم اسم العباد ، ولم أر إطلاق العبد على الإِنسان الواحد ولا إطلاق العبيد على الناس .
والبصير : المطلع الذي لا يخفى عليه الأمر . والبَاء للتعدية كما في قوله تعالى : { فبصرت به عن جنب } [ القصص : 11 ] ، فإذا أرادوا تعدية فعل البصر بنفسه قالوا : أبصره .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فردوا عليه نصيحته، فقال المؤمن: {فستذكرون} إذا نزل بكم العذاب.
{ما أقول لكم} من النصيحة فأوعدوه، فقال: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وقومه: فستذكرون أيها القوم إذا عاينتم عقاب الله قد حلّ بكم، ولقيتم ما لقيتموه صدق ما أقول، وحقيقة ما أخبركم به من أن المسرفين هم أصحاب النار...
وقوله:"وأُفَوّضُ أمْرِي إلى اللّهِ" يقول: وأسلم أمري إلى الله، وأجعله إليه وأتوكل عليه، فإنه الكافي مَنْ تَوَكّل عليه...
وقوله: "إنّ اللّهَ بَصِيرٌ بالعِبادِ "يقول: إن الله عالم بأمور عباده، ومن المطيع منهم، والعاصي له، والمستحق جميل الثواب، والمستوجب سيئ العقاب.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} أي ستذكرون إذا عاينتم ما أعدّ لكم وأعد لنا أن ما كنتم عليه ودعوتموني إليه دعاء إلى الهلاك، وما دعوتكم إليه هو دعاء إلى الجنة. أو يقول: ستذكرون ما نصحت بدعائي إياكم إلى ما به نجاتكم.
{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} هذا يخرّج على وجوه:
أحدها: كأنهم خوّفوه، وأوعدوه بأنواع الوعيد والتخويف، فقال عند ذلك: {وأُفوّض أمري إلى الله} وأتوكّل عليه، فيحفظني، ويدفع شركم وما تقصدون بي.
والثاني: {وأفوّض أمري إلى الله} أي عليه أتوكل وبه أكِل في جميع الأمور من الخيرات والشرور، وهو الكافي لذلك.
والثالث: إظهار الحاجة إليه، والمؤمن أبدا يكون مُظهرًا للحاجة إلى الله تعالى في كل وقت وكل ساعة.
والرابع: {وأفوّض أمري إلى الله} أي لا أشتغل بشيء في أمري، أصيّره إلى الله تعالى.
لما بالغ مؤمن آل فرعون في هذه البيانات ختم كلامه بخاتمة لطيفة فقال:
{فستذكرون ما أقول لكم} وهذا كلام مبهم يوجب التخويف ويحتمل أن يكون المراد أن هذا الذكر يحصل في الدنيا وهو وقت الموت، وأن يكون في القيامة وقت مشاهدة الأهوال وبالجملة فهو تحذير شديد.
{وأفوض أمري إلى الله} وهذا كلام من هدد بأمر يخافه، فكأنهم خوفوه بالقتل وهو أيضا خوفهم بقوله {فستذكرون ما أقول لكم} ثم عول في دفع تخويفهم وكيدهم ومكرهم على فضل الله تعالى فقال: {وأفوض أمري إلى الله} وهو إنما تعلم هذه الطريقة من موسى عليه السلام، فإن فرعون لما خوفه بالقتل، رجع موسى في دفع ذلك الشر إلى الله حيث قال: {إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما تقرر أنه لا أمر لغير الله وأنه لا بد من المعاد، تسبب عنه بقوله: {فستذكرون} أي قطعاً بوعد لا خلف فيه مع القرب.
{ما أقول لكم} حين لا ينفعكم الذكر في يوم الجمع الأعظم والزحام الذي يكون فيه القدم على القدم، إذا رأيتم الأهوال والنكال والزلزال، إن قبلتم نصحي وإن لم تقبلوه.
ولما ذكر خوفهم الذي لا يحميهم منه شيء، ذكر خوفه الذي هو معتمد فيه على الله ليحميه منه فقال عاطفاً على "ستذكرون "غير مراعى فيها معنى السين: {وأفوض} أي أنا الآن بسبب أنه لا دعوة لغير الله.
{إلى الله} أي الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة فهو يحميني منكم: إن شاء،
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ماذا يبقى بعد هذا البيان الواضح الشامل للحقائق الرئيسية في العقيدة؟ وقد جهر بها الرجل في مواجهة فرعون وملئه بلا تردد ولا تلعثم، بعدما كان يكتم إيمانه، فأعلن عنه هذا الإعلان؟ لا يبقى إلا أن يفوض أمره إلى الله، وقد قال كلمة وأراح ضميره، مهدداً إياهم بأنهم سيذكرون كلمته هذه في موقف لا تنفع فيه الذكرى. والأمر كله إلى الله: (فستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد).. وينتهي الجدل والحوار. وقد سجل مؤمن آل فرعون كلمته الحق خالدة في ضمير الزمان...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا الكلام متاركة لقومه وتنهية لخطابه إياهم، ولعله استشعر من ملامحهم أو من مقاطعتهم كلامه بعبارات الإِنكار، ما أيْأَسَه من تأثرهم بكلامه، فتحدّاهم بأنهم إن أعرضوا عن الانتصاح لنصحه، سيندمون حين يرون العذاب إما في الدنيا كما اقتضاه تهديده لهم بقوله: {إنِّي أخافُ عليكم مِثْلَ يَوْمِ الأحْزَابِ}، أو في الآخرة كما اقتضاه قوله: {إنِّي أخافُ عليكم يَومَ التَّنادِ}، فالفاء تفريع على جملة {ما لِيَ أدْعُوكم إلى النجاة وتَدْعُونني إلى النَّار}.
وفعل {ستذكرون} مشتق من الذُّكْر بضم الذال وهو ضد النسيان، أي ستذكرون في عقولكم، أي ما أقول لكم الآن يحضر نصب بصائركم يوم تحققه، فشبه الإِعراض بالنسيان، ورمز إلى النسيان بما هو من لوازمه في العقل مُلازمةَ الضد لضده، وهو التذكر على طريقة المكنية، وفي قرينتها استعارة تبعية. والمعنى سيحلّ بكم من العذاب ما يُذَكِّركم ما أقوله: إنَّه سيحل بكم...
{وَأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله} عطف على جملة {ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار}، ومساق هذه الجملة مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشرّ، يعني: أني أَكِل شأني وشأنكم معي إلى الله فهو يجزي كل فاعل بما فعل، وهذا كلام مُنصِف فالمراد ب {أمري} شأني ومُهمّي. ويدل لمعنى الانتصاف تعقيبه بقوله: {إن الله بَصيرٌ بالعِبَادِ} معللاً تفويض أمره معهم إلى الله، بأن الله عليم بأحوال جميع العباد فعموم العباد شَمِله وشمل خصومَهُ...