قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب } . قال زيد بن اسلم : مرشاس بن قيس اليهودي ، وكان شيخاً عظيم الكفر ، شديد الطعن على المسلمين ، فمر على نفر من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون ، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة ، و قال قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد . لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار ، فأمر شاباً من اليهود كان معه فقال : اعمد إليهم ، واجلس معهم ، ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار ، وكان بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس مع الخزرج ، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ، ففعل وتكلم فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب ، أوس بن قيظي ، أحد بني حارثة من الأوس ، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله رددتها الآن جذعة ؟ وغضب الفريقان جميعاً وقالا : قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهر وهي الحرة فخرجوا إليها ، وانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال صلى الله عليه وسلم : يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً ؟ الله الله . فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم ، وبكوا ، وعانق بعضهم بعضاً ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب )يعني ساسا وأصحابه .
قوله تعالى : { يردوكم بعد إيمانكم كافرين } . قال جابر : فما رأيت قط يوماً أقبح أولاً ، ولا أحسن آخراً من ذلك اليوم . ثم قال الله تعالى على وجه التعجب .
يحذر تعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من الذين أوتوا الكتاب ، الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله ، وما مَنَحهم به من إرسال رسوله{[5416]} كما قال تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } [ البقرة : 109 ] وهكذا قال هاهنا : { إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ }
إقبال على خطاب المؤمنين لتحذيرهم من كيد أهل الكتاب وسوء دعائهم المؤمنين ، وقد تفضّل الله على المؤمنين بأن خاطبهم بغير واسطة خلاف خطابه أهل الكتاب إذ قال : { قل يا أهل الكتاب } [ آل عمران : 98 ] ولم يقل : قل يأيُّها الّذين آمنوا .
والفريق : الجماعة من النَّاس ، وأشار به هنا إلى فريق من اليهود وهم شَاس بن قَيس وأصحابه ، أو أراد شاساً وحده ، وجعله فريقاً كما جعل أبا سفيان ناساً قي قوله : « إنّ النّاس قد جمعوا لكم » وسياق الآية مؤذن بأنَّها جرت على حادثة حدثتْ وأنّ لنزولها سبباً . وسبب نزول هذه الآية : أنّ الأوس والخزرج كانوا في الجاهلية قد تخاذلوا وتحاربوا حتَّى تفانوا ، وكانت بينهم حروب وآخرها يوم بُعاث الّتي انتهت قبل الهجرة بثلاث سنين ، فلمَّا اجتمعوا على الإسلام زالت تلك الأحقاد من بينهم وأصبحوا عُدّة للإسلام ، فساء ذلك يهودَ يثرب فقام شاس بن قيس اليهودي ، وهو شيخ قديم منهم ، فجلس إلى الأوس والخزرج ، أو أرسل إليهم من جلس إليهم يذكِّرهم حروب بُعاث ، فكادوا أن يقتتلوا ، ونادى كُلّ فريق : يا للأوس ويا للخزرج وأخذوا السلاح ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينهم وقال : أتَدْعُون الجاهليةَ وأنا بين أظهركم ؟ وفي رواية : أبدعوى الجاهلية ؟ أي أتدعون بدعوى الجاهلية وقرأ هذه الآية ، فما فرغ منها حتَّى ألقوا السِّلاح ، وعانق بعضهم بعضاً ، قال جابر بن عبد الله : ما كان طالع أكره إلينا من طلوع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا أصلح الله بيننا ما كان شخص أحبّ إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يوماً أقبحَ ولا أوْحَش أوّلا وأحسنَ آخراً من ذلك اليوم .
وأصل الردّ الصّرف والإرجاع قال تعالى : { ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر } [ الحج : 5 ] وهو هنا مستعار لتغيّر الحال بعد المخالطة فيفيد معنى التصيير كقول الشَّاعر ، فيما أنشده أهل اللّغة :
فَرَدّ شُعُورَهُنّ السُّود بِيضا *** وَرَدّ وُجُوهَهُنّ البِيض سُودا
و { كافرين } مفعوله الثَّاني ، وقوله { بعد إيمانكم } تأكيد لما أفاده قوله { يردّوكم } والقصد من التَّصريح به توضيح فوات نعمة عظيمة كانوا فيها لو يكفرون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.