البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ} (100)

{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين } لمّا أنكر تعالى عليهم صدهم عن الإسلام المؤمنين حذر المؤمنين من إغواء الكفار وإضلالهم وناداهم بوصف الإيمان تنبيهاً على تباين ما بينهم وبين الكفار ، ولم يأت بلفظ « قل » ليكون ذلك خطاباً منه تعالى لهم وتأنيساً لهم .

وأبرز نهيه عن موافقتهم وطواعيتهم في صورة شرطية ، لأنه لم تقع طاعتهم لهم .

والإشارة ب يا أيها الذين آمنوا إلى الأوس والخزرج بسب ثائرة شاس بن قيس .

وأطلق الطواعية لتدل على عموم البدل ، أي أنْ يصدرَ منكم طواعية ما في أي شيء كان مما يحاولونه من إضلالكم ، ولم يقيد الطاعة بقصة الأوس والخزرج على ما ذكر في سبب النزول .

والردّ هنا التَّصييرُ أي يصيرونكم .

والكفر المشار إليه هنا ليس بكفر حقيقة ، لأن سبب النزول هو في إلقاء العداوة بين الأوس والخزرج .

ولو وقعت لكانت معصية لا كفراً إلا أن يفعلوا ذلك مستحبين له .

وقد يكون ذلك بتحسين أهل الكتاب لهم منهياً بعد منهي ، واستدراجهم شيئاً فشيئاً إلى أن يخرجوا عن الإسلام ويصيروا كافرين حقيقية .

وانتصاب كافرين على أنه مفعول ثان ليردّ ، لأنها هنا بمعنى صير كقوله :

فرد شعورهنّ السود بيضاً *** وردّ وجوههنّ البيض سودا

وقيل : انتصب على الحال ، والقول الأول أظهر .

/خ101