قوله تعالى : { وإذا جاؤوكم قالوا } ، يعني : هؤلاء المنافقين ، وقيل : هم الذين قالوا : { آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } ، دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : قوله تعالى : { آمنا } بك ، وصدقناك فيما قلت ، وهم يسرون الكفر .
قوله تعالى : { وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } ، يعني : دخلوا كافرين ، وخرجوا كافرين .
وقوله : { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } وهذه صفة المنافقين منهم ، أنهم يصانعون المؤمنين في الظاهر وقلوبهم منطوية على الكفر ؛ ولهذا قال : { وَقَدْ دَخَلُوا [ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ] }{[10024]} أي{[10025]} عندك يا محمد { بِالْكُفْرِ } أي : مستصحبين الكفر في قلوبهم ، ثم خرجوا وهو كامن فيها ، لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم ، ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزواجر ؛ ولهذا قال : { وَهُمْ [ قَدْ ] خَرَجُوا بِهِ }{[10026]} فخصهم به دون غيرهم .
وقوله : { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ } أي : والله عالم بسرائرهم وما تنطوي عليهم ضمائرهم{[10027]} وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك ، وتزينوا بما ليس فيهم ، فإن عالم الغيب والشهادة أعلم بهم منهم ، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء .
الضمير في { جاؤوكم } لليهود المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم وخاصة للمنافقين . نص على ذلك ابن عباس وقتادة والسدي ، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم دخلوا وهم كفار وخرجوا كذلك لم تنفعهم الموعظة ولا نفع فيهم التذكير ، وقوله : { وهم } تخليص من احتمال العبارة أن يدخل قوم بالكفر ثم يؤمنوا ويخرج قوم وهم كفرة فكان ينطبق على الجميع وقد دخلوا بالكفر وقد خرجوا به ، فأزال الاحتمال قوله تعالى : { وهم قد خرجوا به } أي هم بأعيانهم ثم فضحهم تعالى بقوله : { والله أعلم بما كانوا يكتمون } أي من الكفر .
عطف { وإذا جاؤوكم } على قوله : { وإذا ناديتم إلى الصّلاة اتّخذوها هزؤاً } [ المائدة : 58 ] الآية ، وخصّ بهذه الصّفات المنافقون من اليهود من جملة الّذين اتّخذوا الدّين هزوءاً ولعباً ، فاستُكمِل بذلك التّحذيرُ ممّن هذه صفتهم المعلنين منهم والمنافقين . ولا يصحّ عطفه على صفات أهل الكتاب في قوله : { وجَعَلَ منهم القردة } [ المائدة : 60 ] لعدم استقامة المعنى ، وبذلك يستغني عن تكلّف وجه لهذا العطف .
ومعنى قوله : { وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } أنّ الإيمان لم يخالط قلوبهم طَرْفَةَ عين ، أي هم دخلوا كافرين وخرجوا كذلك ، لشدّة قسوة قلوبهم ، فالمقصود استغراق الزمنين وما بينهما ، لأنّ ذلك هو المتعارف ، إذ الحالة إذا تبدّلت استمرّ تبدّلها ، ففي ذلك تسجيل الكذب في قولهم : آمنّا ، والعرب تقول : خرج بغير الوَجه الذي دخل به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.