وقوله : { أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ } يقول تعالى : هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين ، كفر بآيات الله وأعرض عنها ، وزعم أنها كَذب مأخوذ من أساطير الأولين ، كقوله : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ } قال الله تعالى : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } [ المدثر : 11 - 26 ] .
قوله : { إذا تتلى عليه } الآية ، وجاز أن يعمل المعنى وهو متأخر من حيث كان قوله : { أن كان } في منزلة الظرف ، إذ يقدر باللام ، أي لأن كان ، وقد قال فيه بعض النحاة : إنه في موضع خفض باللام ، كما لو ظهرت ، فكما يعمل المعنى في الظرف المتقدم ، فكذلك يعمل في هذا ، ومنه قوله تعالى :
{ ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد }{[11244]} [ سبأ : 7 ] . فالعامل في : { إذا } [ سبأ : 7 ] ، معنى قوله : { إنكم لفي خلق جديد } [ سبأ : 7 ] ، أي تبعثون ، ونحوه من التقدير ، ولا يجوز أن يعمل : { تتلى } في { إذا } لأنه مضاف إليه ، وقد أضيف { إذا } إلى الجملة ، ولا يجوز أن يعمل في { أن } ، قال لأنها جواب { إذا } ، ولا تعمل فيما قبلها . وأجاز أبو علي أن يعمل فيه { عتل } وإن كان قد وصف{[11245]} ، ويصح على هذا النظر أن يعمل فيه { زنيم } لا سيما على قول من يفسره بالقبيح الأفعال ، ويصح أن يعمل في { أن كان } ، تطيعه التي يقتضيها قوله : { ولا تطع } [ القلم : 10 ] . وهذا على قراءة الاستفهام يبعد ، وإنما يتجه لا تطعه لأجل كونه كذا ، و { أن كان } ، على كل وجه ، مفعول من أجله وتأمل . وقد تقدم القول في الأساطير في غير ما موضع .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إذا تتلى عليه} يعني الوليد {آياتنا} يعني القرآن {قال أساطير الأولين}، يقول: أحاديث الأولين وكذبهم، وهو حديث رستم واسفنديار...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إذا تقرأ عليه آيات كتابنا، قال: هذا مما كتبه الأوّلون، استهزاء به وإنكارا منه أن يكون ذلك من عند الله...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم أخبر عن معاملته رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} وإن كان عاما بظاهره، لكن لم يرد به العموم، لأن قوله تعالى: {أساطير الأولين} ليس في كل الآيات، وإنما هو في الآيات التي هي في حق الإخبار عن الأمم السالفة. وأما إذا تليت عليه الآيات التي فيها دلالة إثبات الرسالة ودلالة التوحيد ودلالة البعث، فيقول فيها ما قال في سورة المدثر: {فقال إن هذا إلا سحر يؤثر} {إن هذا إلا قول البشر} [الآيتان: 24 و25] وهذا دليل على ألا يجب اعتقاد ظاهر العموم ما لم يعلم بيقين، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي أحاديث الأولين التي سطرت وكتبت لا أصل له...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وقال الكسائي: ترهات من الكلام لا نظام لها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إذا تتلى} أي تذكر على سبيل المتابعة {عليه} ولو كان ذلك على سبيل الخصوص له {آياتنا} أي العلامات الدالة دلالة في غاية الظهور على الملك الأعلى، وعلى ما له من صفات العظمة، {قال} أي فاجأ هذا القول من غير تأمل ولا توقف عوضاً عن الشكر، ف "إن " مع جاره متعلق بما دل عليه الكلام، نحو كذب لأجل كونه متمكناً، ولا يتعلق بقال لأنه جزاء الشرط، ويجوز أن يتعلق بلا تطع، أي لا توجد طاعته لأجل إن كان كذا، وقرئ بالكسر على أنها شرطية، فيكون النهي عن طاعته لعلة الغنى، مفهماً للنهي عن طاعته عند الوصف بغيره من باب الأولى، كالتعليل بإملاق في الوأد: {أساطير} جمع سطور جمع سطر {الأولين} أي أشياء سطروها ودونوها، وفرغوا منها، فحمله دنيء طبعه على تكبره بالمال، فورطه في التكذيب بأعظم ما يمكن سماعه، فجعل الكفر موضع الشكر، ولم يستح من كونه يعرف كذبه كل من يسمعه، فأعرض عن الشكر ووضع موضعه الكفر، فكان هذا دليلاً على جميع تلك الصفات السابقة، مع التعليل بالإسناد إلى ما هو عند العاقل أوهم و أوهى من بيت العنكبوت، والاستناد إليه وحده كاف في الاتصاف بالرسوخ في الدناءة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يعقب على هذه الصفات الذاتيه بموقفه من آيات الله، مع التشنيع بهذا الموقف الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين: (أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين).. وما أقبح ما يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين؛ استهزاء بآياته، وسخرية من رسوله، واعتداء على دينه.. وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
تعليق على جملة {أساطير الأولين} وجملة أساطير الأولين قد تكررت كثيراً في القرآن حكاية لزعم الكفار عن القرآن، وهذه الجملة أو بتعبير أدق كلمة أساطير، تعني الآن القصص التي لا تستند إلى أصل، أو يشوبها الغلو أو الخرافة. غير أن الذي يتبادر لنا أن استعمالها في القرآن لم يكن لهذا المعنى فقط، وإنما كان أيضا لمقصد الإشارة إلى كتب الأولين وصحفهم، بما في ذلك كتب النصارى واليهود التي كانت متداولة. وفي سورة الفرقان آية قد تؤيد ذلك حيث جاء فيها: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5)}، وحيث أراد الكفار أن يقولوا: إن ما يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتبسه واستكتبه وحفظه من الكتب الأولى المتداولة وليس وحياً. والجملة في السورة تدل في حد ذاتها على أن ما نزل من القرآن قبل هذه الآيات كان شيئا غير يسير، حيث رأى الكفار فيه من التطابق والمواضيع، ما سوغ لهم في هذا القول؛ وتؤيد ما قلناه في صدد ترتيب هذه السورة...