السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (15)

{ إذا تتلى } أي : تذكر على سبيل المتابعة { عليه } ولو كان ذلك على سبيل الخصوص له { آياتنا } أي : العلامات الدالة دلالة هي في غاية الظهور على الملك الأعلى ، وعلى ماله من صفات العظمة ، { قال } أي : مفاجأة من غير تأمل ولا توقف عوضاً عن شكرنا { أساطير } جمع سطور جمع سطر { الأولين } أي : أشياء سطروها ودونوها وفرغوا منها ، فحمله دنيء طبعه على تكثره بالمال ، فورطه في التكذيب بأعظم ما يمكن سماعه ، فجعل الكفر موضع الشكر ، ولم يستح من كونه يعرف كذبه كل من سمعه ، فأعرض عن الشكر ووضع موضعه الكفر ، فكان هذا دليلاً على جميع تلك الصفات السابقة ، مع التعليل بالاستناد إلى ما هو عند العاقل أوهى من بيت العنكبوت ، والاستناد إليه وحده كاف في الاتصاف بالرسوخ في الدناءة .

وقرأ ابن عامر وشعبة وحمزة بهمزتين مفتوحتين وابن عامر يسهل الثانية ، وشعبة وحمزة بتحقيقهما ، وهشام على أصله يدخل بينهما ألفاً ، والباقون بهمزة واحدة مفتوحة . قال القرطبي : فمن قرأ بهمزة مطولة أو بهمزتين محققتين ، فهو استفهام ، والمراد به التوبيخ ، ويحسن له أن يقف على { زنيم } ويبتدئ { أن كان } على معنى ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه ؟ ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين ، ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر ؟ ودل عليه ما تقدم من الكلام ، فصار كالمذكور بعد الاستفهام ، ومن قرأ أن كان بغير استفهام فهو مفعول من أجله ، والعامل فيه فعل مضمر ، والتقدير : يكفر لأن كان ذا مال وبنين ، ودل على هذا الفعل { إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } ولا يعمل في إذا تتلى ولا قال ، لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها ؛ لأن إذا تضاف إلى الجمل التي بعدها ، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف . وقال : جواب الجزاء ولا يعمل فيما قبل الجزاء ، إذ حكم العامل أن يكون قبل المعمول فيه ، وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط ، فيصير مقدماً مؤخراً في حال واحد .

ويجوز أن يكون المعنى : لا تطعه لأن كان ذا يسار وعدد . قال ابن الأنباري : ومن قرأ بلا استفهام لم يحسن أن يقف على زنيم ، لأن المعنى : لأن كان ذا مال كان ، فأن متعلقة بما قبلها . وقال غيره : يجوز أن تتعلق بقوله تعالى : { مشاء بنميم } والتقدير : يمشي بنميم لإن كان ذا مال وبنين ، وأجاز أبو علي أن تتعلق بعتل . ومعنى { أساطير الأولين } أباطيلهم وترهاتهم .