اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (15)

وقال مكيٌّ{[57604]} ، وتبعه أبو البقاء{[57605]} : «لا يجوز أن يكون العامل » " تُتْلَى " لأن ما بعد " إذَا " لا يعمل فيما قبلها ، لأن " إذَا " تضاف إلى الجمل ، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف » انتهى .

وهذا يوهم أن المانع من ذلك ما ذكره فقط ، والمانع أمرٌ معنوي ، حتى لو فقد هذا المانع الذي ذكره لامتنع من جهة المعنى ، وهو لا يصلح أن يعلل تلاوة آياتِ اللَّهِ عليه بكونه ذا مالٍ وبنين .

وأما قراءة «آنْ كان » على الاستفهام ، ففيها وجهان :

أحدهما : أن يتعلق بمقدر يدل عليه ما قبله ، أي : أتطيعه لأن كان ، أو الكون طواعية لأن كان .

والثاني : أن يتعلق بمقدر يدل عليه ما بعده ، أي : لأن كان كذب وجحد .

وأما قراءة «إنْ كَانَ » - بالكسر - فعلى الشرط ، وجوابه مقدر ، تقديره : إن كان كذا يكفر ويجحد ، دل عليه ما بعده .

وقال الزمخشريُّ : والشرط للمخاطب ، أي : لا تطع كل حلاف شارطاً يساره ، لأنه إن أطاع الكافر لغنائه فكأنه اشترط في الطاعة الغنى ، ونحو صرف الشرط للمخاطب صرف الترجي إليه في قوله : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى }[ طه : 44 ] .

وجعله أبو حيَّان{[57606]} من دخول شرط على شرط ، يعني «إن ، وإذا » إلا أنه قال : ليسا من الشروط المترتبة الوقوع . وجعل نظير ذلك قول ابن دُريْدٍ : [ الرجز ]

4817 - فإن عَثَرتُ بعْدها إنْ وألَتْ*** نَفْسِيَ مِنْ هَاتَا فَقُولاَ لاَ لَعَا{[57607]}

قال : «لأن الحامل على تدبر آياتِ اللَّهِ كونه ذا مالِ وبنينَ ، وهو مشغول القلب بذلك غافل عن النظر ، قد استولت عليه الدُّنيا وأنظرته » .

وقرأ الحسن بن أبزى : بالاستفهام ، وهو استفهام تقريعٍ وتوبيخٍ ، على قوله حين تليت عليه آيات الله : { أَسَاطِيرُ الأولين } .

فصل في توجيه قراءة الآية

قال القرطبيُّ{[57608]} : فمن قرأ بهمزة مُطوَّلةٍ ، أو بهمزتين محققتين ، فهو استفهام والمراد به التوبيخ ، ويحسن له أن يقف على «زَنِيمٍ » ، ويبتدئ «أنْ كَانَ » على معنى : لأن كان ذا مال وبنين تطيعه ، ويجوز أن يكون التقدير : لأن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر ، ودل عليه ما تقدم من الكلامِ ، فصار كالمذكور بعد الاستفهام ، ومن قرأ «أن كَانَ » بغير استفهام ، فهو مفعول من أجله ، والعامل فيه فعل مضمر والتقدير : يكفر لأن كان ذا مال وبنين ، ودل على هذا الفعل : { إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين } ولا يعمل في «أن » : «تُتْلَى » ولا «قَالَ » ، لأن ما بعد «إذَا » لا يعمل فيما قبلها ؛ لأن «إذَا » تضاف إلى الجمل التي بعدها ، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف ، و «قال » جواب الجزاء ، ولا يعمل فيما قبل الجزاء ، إذ حكم العامل أن يكون قبل المعمول فيه ، وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط ، فيكون مقدماً مؤخراً في حالة واحدةٍ ، ويجوز أن يكون المعنى : لا تطعه لأن كان ذا يسار وعدد .

قال ابن الأنباريّ : ومن قرأ بلا استفهام لم يحسن أن يقف على «زَنيمٍ » لأن المعنى : لأن كان ذا مالٍ كان ، ف «أنْ » متعلقة بما قبلها .

وقال غيره : يجوز أن يتعلق بقوله : «مشَّاءٍ بنمِيمٍ » ، والتقدير : يمشي بنميم ، لأن كان ذا مال وبنين ، وأجاز أبو علي أن يتعلق ب «عُتُلٍّ » ، ومعنى «أسَاطيرُ الأوَّليْنَ » أباطيلهم ، وتُرهاتُهُم .


[57604]:ينظر: المشكل 2/749.
[57605]:ينظر الإملاء 2/1234.
[57606]:ينظر: البحر المحيط 8/310.
[57607]:البيت لابن دريد الأزدي، ينظر شرح مقصورة ابن دريد (33) والخزانة 4/548، والدر المصون 6/354.
[57608]:ينظر الجامع لأحكام القرآن 18/154.