المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

5- تلك بعض نعمتنا عليك ، فكن على ثقة من ألطافه تعالى ، فإن مع العسر يسراً كثيراً يحيط به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

ثم وعده اليسر والرخاء بعد الشدة ، وذلك أنه كان بمكة في شدة . فقال :{ فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } أي مع الشدة التي أنت فيها من جهاد المشركين يسراً ورخاءً بأن يظهرك عليه حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به ، { إن مع العسر يسرا } كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء . وقال الحسن لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبشروا ، قد جاءكم اليسر ، لن يغلب عسر يسرين " . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ، إنه لن يغلب عسر يسرين . قال المفسرون : ومعنى قوله : " لن يغلب عسر يسرين " أن الله تعالى كرر العسر بلفظ المعرفة واليسر بلفظ النكرة ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسماً معرفاً ، ثم أعادته كان الثاني هو الأول ، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته مثله صار اثنين ، وإذا أعادته معرفة فالثاني هو الأول ، كقولك : إذا كسبت درهماً أنفقت درهماً ، فالثاني غير الأول ، وإذا قلت : إذا كسبت درهماً فأنفق الدرهم ، فالثاني هو الأول ، فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف ، فكان عسراً واحداً ، واليسر مكرر بلفظ النكرة ، فكانا يسرين ، كأنه قال : فإن مع العسر يسراً ، إن مع ذلك العسر يسراً آخر . وقال أبو علي الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب النظم : تكلم الناس في قوله : " لن يغلب عسر يسرين " فلم يحصل منه غير قولهم : إن العسر معرفة واليسر نكرة ، فوجب أن يكون عسر واحد ويسران ، وهذا قول مدخول ، إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفاً إن مع الفارس سيفاً ، فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحداً والسيف اثنين ، فمجاز قوله : " لن يغلب عسر يسرين " أن الله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم وهو مقل مخف ، فكانت قريش تعيره بذلك ، حتى قالوا : إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالاً حتى تكون كأيسر أهل مكة ، فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ، فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره ، فعدد الله نعمه عليه في هذه السورة ، ووعده الغنى ، يسليه بذلك عما خامره من الغم ، فقال : { فإن مع العسر يسراً } مجازه : لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسراً في الدنيا عاجلاً ، ثم أنجزه ما وعده ، وفتح عليه القرى العربية ووسع عليه ذات يده ، حتى كان يعطي المئين من الإبل ، ويهب الهبات السنية ، ثم ابتدأ فضلاً آخر من أمر الآخرة ، فقال : إن مع العسر يسراً ، والدليل على ابتدائه : تعريه من الفاء والواو ، وهذا وعد لجميع المؤمنين ، ومجازه : إن مع العسر يسراً ، أي : إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسراً في الآخرة ، فربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الثانية . فقوله عليه السلام : " لن يغلب عسر يسرين " ، أي : لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة ، وإنما يغلب أحدهما ، وهو يسر الدنيا ، وأما يسر الآخرة فدائم غير زائل ، أي لا يجمعهما في الغلبة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " شهرا عيد لا ينقصان " أي لا يجتمعان في النقصان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

وقوله : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } أخبر تعالى أن مع العسر يوجَدُ اليسر ، ثم أكد هذا الخبر .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا حُميد بن حماد بن خَوَار أبو الجهم ، حدثنا عائذ بن شُريح قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا{[30216]} وحياله حجر ، فقال : " لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " ، فأنزل الله عز وجل : {[30217]} { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } {[30218]} .

ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن مَعْمَر ، عن حُميد بن حماد ، به ولفظه : " لو جاء العسر حتى يدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يخرجه " ثم قال : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } ثم قال البزار : لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح{[30219]} .

قلت : وقد قال فيه أبو حاتم الرازي : في حديثه ضعف ، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة ، عن رجل ، عن عبد الله بن مسعود موقوفا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا أبو قَطَن {[30220]} حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : كانوا يقولون : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن{[30221]} ثور ، عن مَعْمَر ، عن الحسن قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا مسرورًا فرحًا وهو يضحك ، وهو يقول : " لن يَغْلِب عُسْر يسرين ، لن يغلب عسر يسرين ، فإن{[30222]} مع العسر يسرًا ، إن مع العسر يسرًا " .

وكذا رواه من حديث عوف الأعرابي ويونس بن عبيد ، عن الحسن مرسلا{[30223]} .

وقال سعيد ، عن قتادة : ذُكِرَ لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال : " لن يغلب عسر يسرين " .

ومعنى هذا : أن العسر معرف في الحالين ، فهو مفرد ، واليسر منكر فتعدد ؛ ولهذا قال : " لن يغلب عسر يسرين " ، يعني قوله : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } فالعسر الأول عين{[30224]} الثاني واليسر تعدد .

وقال الحسن بن سفيان : حدثنا يزيد بن صالح ، حدثنا خارجة ، عن عباد بن كثير ، عن أبي الزناد ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نزل{[30225]} المعونة من السماء على قدر المؤونة ، ونزل الصبر على قدر المصيبة " {[30226]} .

ومما يروى عن الشافعي ، رضي الله عنه ، أنه قال :

صَبرا جَميلا ما أقرَبَ الفَرجا *** مَن رَاقَب الله في الأمور نَجَا

مَن صَدَق الله لَم يَنَلْه أذَى *** وَمَن رَجَاه يَكون حَيثُ رَجَا

وقال ابن دُرَيد : أنشدني أبو حاتم السجستاني :

إذا اشتملت على اليأس القلوبُ *** وضاق لما به الصدر الرحيبُ

وأوطأت المكاره واطمأنت *** وأرست في أماكنها الخطوبُ

ولم تر لانكشاف الضر وجها *** ولا أغنى بحيلته الأريبُ

أتاك على قُنوط منك غَوثٌ *** يمن به اللطيف المستجيبُ

وكل الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج القريب

وقال آخر :

وَلَرُب نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعا وعند الله منها المخرج

كملت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكان يظنها لا تفرج


[30216]:- (4) في أ: "جالس" وهو خطأ.
[30217]:- (5) كذا في م، أ، هـ: "إن" وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
[30218]:- (6) ورواه الحاكم في المستدرك (2/255) من طريق محمود بن غيلان به، وقال الحاكم: "هذا حديث عجيب غير أن الشيخين لم يحتجا بعائذ بن شريح". وقال الذهبي: "تفرد حميد بن حماد، عن عائذ، وحميد منكر الحديث كعائذ".
[30219]:- (7) مسند البزار برقم (2288) "كشف الأستار" ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (3416) من طريق محمد بن معمر به.
[30220]:- (1) في أ: "مطر".
[30221]:- (2) في أ: "حدثنا أبو".
[30222]:- (3) كذا في م، أ، هـ: "إن" وهو خطأ. من ابن جرير (30/151).
[30223]:- (4) تفسير الطبري (30/151) ورواه عبد الرزاق في تفسيره (2/309) عن معمر، عن الحسن به مرسلا، وقد جاء موقوفا على ابن مسعود، رواه عبد الرزاق في تفسيره (2/309) من طريق ميمون عن إبراهيم النخعي عنه، وجاء مرفوعا عن جابر، رواه ابن مردويه في تفسيره، وقال الحافظ ابن حجر: "إسناده ضعيف".
[30224]:- (5) في م: "هو".
[30225]:- (6) في أ: "نزلت".
[30226]:- (7) ورواه البزار في مسنده برقم (1506) "كشف الأستار" وابن عدي في الكامل (4/115) من طريق عبد العزيز الدراوردي عن طارق وعباد بن كثير، عن أبي الزناد به. وقال البزار: "لا نعلمه عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد". وقال ابن عدي: "وطارق بن عمار يعرف بهذا الحديث". والحديث معلول. انظر: العلل لابن أبي حاتم (2/126، 133) والكامل لابن عدي (6/238، 402، 2/37، 4/115).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

قوله : فَإنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فإنّ مع الشدّة التي أنت فيها ، من جهاد هؤلاء المشركين ، ومِن أوّله : ما أنت بسبيله ، رجاءً وفرجا بأن يُظْفِرَك بهم ، حتى ينقادوا للحقّ الذي جئتهم به طوعا وكَرها .

ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن هذه الاَية لما نزلت ، بَشّر بها أصحابه وقال : «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ » . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت يونس ، قال : قال الحسن : لما نزلت هذه الاَية فَإنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أبْشِرُوا أتاكُمُ اليُسْرُ ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ » .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن يونس ، عن الحسن ، مثله ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فَرِحا وهو يضحك ، وهو يقول : «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ فَإنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَإنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا ذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر أصحابه بهذه الاَية ، فقال : «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن » .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد ، عن معاوية بن قرة أبي إياس ، عن رجل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لو دخل العسر في جُحْر ، لجاء اليسر حتى يدخل عليه ، لأن الله يقول : فَإنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن رجل ، عن عبد الله ، بنحوه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا قال : يتبع اليسرُ العُسرَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

ثم قوى تعالى رجاءه بقوله سبحانه : [ فإن مع العسر يسرا ] أي مع ما تراه من الأذى فرج يأتيك ، وكرر الله تعالى ذلك مبالغة وتبيينا للخير ، فقال بعض الناس : المعنى إن مع العسر يسرا في الدنيا وإن مع العسر يسرا في الآخرة ، وذهب كثير من العلماء إلى أن مع كل عسر يسرين بهذه الآية ، من حيث " العسر " معرف للعهد ، و " اليسر " منكر ، فالأول غير الثاني وقد روي في هذا التأويل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لن يغلب عسر يسرين ){[11888]} وأما قول عمر به فنص في الموطأ في رسالته إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما . وقرأ عيسى ويحيى بن وثاب وأبو جعفر : ( العسر واليسر ) بضمتين ، وقرأ ابن مسعود : [ إن مع العسر يسرا ] واحدة غير مكررة .


[11888]:أخرجه عبد الرزاق ، وابن جرير، والحاكم، والبيهقي، عن الحسن، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما فرحا مسرورا وهو يضحك ويقول: (لن يغلب عسر يسرين، إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا).