قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه } فمصدق ومكذب كما اختلف قومك في كتابك ، { ولولا كلمة سبقت من ربك } في تأخير العذاب عن المكذبين بالقرآن ، { لقضي بينهم } لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم ، { وإنهم لفي شك منه } من صدقك { مريب } موقع لهم الريبة . { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } .
ويشير إلى موسى وكتابه واختلاف قومه في هذا الكتاب . يشير إليه نموذجاً للرسل الذين ورد ذكرهم من قبل إجمالاً . وقد أجل الله حكمه في اختلافهم ، وسبقت كلمته أن يكون الفصل في هذا كله في يوم الفصل العظيم :
( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ، ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ، وإنهم لفي شك منه مريب ) . .
{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكتاب فاختلف فِيهِ } .
اعتراض بتسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم على تكذيب المشركين وكفرهم بالقرآن بأنه ليس بأَوحدَ في ذلك فقد أوتي موسى التوراة فاختلف الذين دعاهم في ذلك ، فمنهم من آمن به ومنهم من كفر .
والمقصود الاعتبار بالاختلاف في التوراة فإنه أشد من الاختلاف في القرآن فالاختلاف في التوراة كان على نوعين : اختلاف فيها بين مؤمن بها وكافر ، فقد كفر بدعوة موسى فرعون وقومه وبعض بني إسرائيل مثلُ قارون ومثل الذين عبدوا العجل في مغيب موسى للمناجاة ، واختلاف بين المؤمنين بها اختلافاً عطلوا به بعض أحكامها كما قال تعالى : { ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر } [ البقرة : 253 ] ، وكلا الاختلافين موضع عبرة وأسوة لاختلاف المشركين في القرآن . وهذا ما عصم الله القرآن من مثله إذ قال : { وإنا له لحافظون } [ يوسف : 12 ] فالتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم بهذا أوقع ، وهذا ناظر إلى قوله آنفاً : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } [ فصلت : 43 ] على الوجه الثاني من معنييه بذكر فرد من أفراد ذلك العموم وهو الأعظم الأهم .
{ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مريب }
هذا متعلق بالذين كذبوا بالقرآن من العرب لأن قوله : { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } يقتضي أن الله أخر القضاء بينهم وبين المؤمنين إلى أجل اقتضته حكمتُه ، فأَما قوم موسى فقد قضَى بينهم باستئصال قوم فرعون ، وبتمثيل الأشوريين باليهود بعد موسى ، وبخراب بيت المقدس ، وزوال ملك إسرائيل آخراً . وهذا الكلام داخل في إتمام التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في استبطاء النصر .
والكلمة هي كلمة الإمهال إلى يوم القيامة بالنسبة لبعض المكذبين ، والإِمهالِ إلى يوم بدر بالنسبة لمن صرعوا ببدر .
والتعبير عن الجلالة بلفظ { رَبِّكَ } لما في معنى الرب من الرأفة به والانتصار له ، ولما في الإضافة إلى ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم من التشريف . وكلا الأمرين تعزيز للتسلية .
ولك أن تجعل كلمة ( بين ) دالة على أخرى مقدرة على سبيل إيجاز الحذف . والتقدير : بينهم وبينَ المؤمنين ، أي بما يظهر به انتصار المؤمنين ، فإنه يكثر أن يقال : بين كذا وبين كذا ، قال تعالى : { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } [ سبأ : 54 ] .
ومعنى { سَبَقَتْ } أي تقدمت في علمه على مقتضى حكمته وإرادته .
والأجلُ المسمى : جنس يصدق بكل ما أجل به عقابهم في علم الله . وأما ضمير { وإنَّهُمْ لَفِي شَكَ مِنْهُ مُرِيبٍ } فهو خاص بالمشركين الشاكين في البعث والشاكين في أن الله ينصر رسوله والمؤمنين .
والريب : الشك ، فوصف { شَكّ } ب { مُرِيبٍ } من قبيل الإسناد المجازي لقصد المبالغة بأن اشتق له من اسمه وصف كقولهم : لَيلٌ أَلْيل وشِعْرٌ شَاعر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.