الآية 45 وقوله تعالى : { وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ } كأنه يقول ، والله أعلم : إنا قد آتينا موسى الكتاب ما عرفوا أنه إنما نزل من عند الله تعالى حين{[18583]} شاهدوا نزوله جملة . ومع أنهم عرفوا ذلك اختلفوا فيه حتى كذّبه بعضهم .
فعلى ذلك يقول ، والله أعلم : لو أنزلنا القرآن عليك أعجميا ، فأدّيته إليهم بلسانك العربيّ ، لكذّبوك ، ولا يصدّقونك ، وإن كان ذلك في الدلالة أكثر في الأعجوبة ، وأعظم ، على ما فعل قوم موسى بالكتاب الذي أُنزل على موسى عليه السلام يذكر سفههم وتعنّتهم .
وقوله تعالى : { وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } ظاهر هذه الآية على أن ما ذكر من المِنّة والرحمة في تأخير العذاب ، إنما هو لقوم موسى ، وهو قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب } لكن أهل التأويل قد أجمعوا على صرف هذه المنّة والرحمة في تأخير العذاب إلى هذه الأمة ، وكذا فيهم ظهرت المنّة في العفو عن الإهلاك في الدنيا دون سائر الأمم ، والله أعلم .
ثم ظاهر قوله تعالى : { وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } استدلال واحتجاج لأهل الإلحاد ، لأن مثل هذا في الشاهد إنما يقال لأحد معنيين . إما لجهل بالعواقب وإما لعجز عن وفاء ما وعد .
لكن الله ، يتعالى عن الوصف بالجهل بعواقب الأمور والوصف بالعجز عن شيء ، بما أقام من الآيات والبراهين على العلم والقدرة .
ثم قوله تعالى : { ولولا كلمة سبقت من ربك } تحتمل الكلمة الحجة كقوله تعالى : { قل لو كان البحر مِدادًا لكلمات ربي } [ الكهف : 109 ] أي لحجج ربي . وتكون الكلمة منه الدين كقوله تعالى : { وكلمة الله هي العليا } [ التوبة : 40 ] ونحوه .
وقيل : الكلمة هي الساعة التي{[18584]} أخّر عذاب هذه الأمة [ إليها ]{[18585]} فقال : { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ } [ القمر : 46 ] والله أعلم .
وجائز أن تكون الكلمة ههنا ما سبق من المنّة لهذه الأمة ألا يعذّبها وقت استحقاقهم العذاب ، أو سبق منه المنّة والرحمة بتأخير الهلاك عن وقت اكتسابهم أسباب الهلاك .
وهذا على المعتزلة والخوارج لقولهم : أن ليس لله أن يعفو ، أو يؤخّر العذاب عمن وجب عليه ، أو استحقّه ، أو كلام نحو حين{[18586]} منّ ، ورحم هذه الأمة بتأخير العذاب إلى وقت ، ولو لم يستحقوا العذاب ، لم يكن لذكر المنّة في ذلك معنى{[18587]} ، وهو كما قال تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء : 107 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.