المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

14- إن ربك ليرقب عمل الناس ، ويحصيه عليهم ، ويجازيهم به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

{ إن ربك لبالمرصاد } قال ابن عباس : يعني بحيث يرى ويسمع ويبصر ما تقول وتفعل وتهجس به العباد . قال الكلبي : عليه طريق العباد لا يفوته أحد . قال مقاتل : ممر الناس عليه ، والمرصاد ، والمرصد : الطريق . وقيل : مرجع الخلق إلى حكمه وأمره وإليه مصيرهم . وقال الحسن وعكرمة : يرصد أعمال بني آدم . والمعنى : أنه لا يفوته شيء من أعمال العباد ، كما لا يفوت من هو بالمرصاد . وقال السدي : أرصد الله النار على طريقهم حتى يهلكهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

ومن وراء المصارع كلها تفيض الطمأنينة على القلب المؤمن وهو يواجه الطغيان في أي زمان وأي مكان . ومن قوله تعالى : " إن ربك لبالمرصاد " تفيض طمأنينة خاصة . فربك هناك . راصد لا يفوته شيء . مراقب لا يند عنه شيء . فليطمئن بال المؤمن ، ولينم ملء جفونه . فإن ربه هناك ! . . بالمرصاد . . للطغيان والشر والفساد

وهكذا نرى هنا نماذج من قدر الله في أمر الدعوة ، غير النموذج التي تعرضه سورة البروج لأصحاب الأخدود . وقد كان القرآن - ولا يزال - يربي المؤمنين بهذا النموذج وذاك . وفق الحالات والملابسات . ويعد نفوس المؤمنين لهذا وذاك على السواء . لتطمئن على الحالين . وتتوقع الأمرين ، وتكل كل شيء لقدر الله يجريه كما يشاء .

" إن ربك لبالمرصاد " . . يرى ويحسب ويحاسب ويجازي ، وفق ميزان دقيق لا يخطئ ولا يظلم ولا يأخذ بظواهر الأمور لكن بحقائق الأشياء . . فأما الإنسان فتخطئ موازينه وتضل تقديراته ، ولا يرى إلا الظواهر ، ما لم يتصل بميزان الله :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } قال ابن عباس : يسمع ويرى . يعني : يرصد{[30051]} خلقه فيما يعملون ، ويجازي كلا بسعيه في الدنيا والآخرة ، وسيعرض الخلائق كلهم عليه ، فيحكم فيهم بعدله ، ويقابل كلا بما يستحقه . وهو المنزه عن الظلم والجور .

وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا غريبًا جدًا - وفي إسناده نظر وفي صحته - فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا يونس الحذاء ، عن أبي حمزة البيساني ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ ، إن المؤمن لدى الحق أسير . يا معاذ ، إن المؤمن لا يسكن روعه ولا يأمن اضطرابه حتى يُخَلَّف جسر جهنم خلف ظهره . يا معاذ ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته ، وعن أن يهلك فيها هو بإذن الله ، عز وجل ، فالقرآن دليله ، والخوف محجته ، والشوق مطيته ، والصلاة كهفه ، والصوم جنته ، والصدقة فكاكه ، والصدق أميره ، والحياء وزيره ، وربه ، عز وجل ، من وراء ذلك كله بالمرصاد " {[30052]} .

قال ابن أبي حاتم : يونس الحذاء وأبو حمزة مجهولان ، وأبو حمزة عن معاذ مرسل . ولو كان عن أبي حمزة لكان حسنًا . أي : لو كان من كلامه لكان حسنًا . ثم قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبي ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أيفع بن عبد الكلاعي : أنه سمعه وهو يعظ الناس يقول : إن لجهنم سبع قناطر - قال : والصراط عليهن ، قال : فيحبس الخلائق عند القنطرة الأولى ، فيقول : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } [ الصافات : 24 ] ، قال : فيحاسبون على الصلاة ويُسألون عنها ، قال : فيهلك فيها من هلك ، وينجو من نجا ، فإذا بلغوا القنطرة الثانية حُوسبوا على الأمانة كيف أدوها ، وكيف خانوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . فإذا بلغوا القنطرة الثالثة سُئلوا عن الرحم كيف وَصَلُوها وكيف قطعوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . قال : والرحم يومئذ متدلية إلى الهُويّ في جهنم تقول : اللهم من وصلني فَصِلْه ، ومن قطعني فاقطعه . قال : وهي التي يقول الله عز وجل : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } .

هكذا أورد هذا الأثر ، ولم يذكر تمامه .


[30051]:- (3) في أ: "يراصد".
[30052]:- (4) ورواه أبو نعيم في الحلية (10/31) من طريق إسحاق بن أبي حسان، عن أحمد بن أبي الحواري به، ورواه أبو نعيم في الحلية (1/26) من طريق عبد الملك بن أبي كريمة، عن أبي حاجب، عن عبد الرحمن، عن معاذ مرفوعا بنحوه.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

( والمرصاد ) و " المرصد " موضع الرصد قاله اللغويون أي أنه عند لسان كل قائل ومرصد لكل فاعل ، وعلى هذا التأويل في المرصاد جاء جواب عامر بن عبد قيس لعثمان رضي الله عنه حين قال له : أين ربك يا أعرابي ؟ قال بالمرصاد ويحتمل أن يكون ( المرصاد ) في الآية اسم فاعل كأنه تعالى قال : لبالراصد فعبر ببناء المبالغة{[11798]} ، وروي في بعض الحديث إن على جسر جهنم ثلاث قناطر على إحداهما الأمانة وعلى الأخرى الدم وعلى الأخيرة الرب تبارك وتعالى فذلك قوله { إن ربك لبالمرصاد } {[11799]}


[11798]:ذكر أبو حيان في البحر المحيط كلام ابن عطية هذا، وعلق عليه بقوله: "ولو كان كما زعم لم تدخل الباء، لأنها ليست في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة".
[11799]:أخرجه الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن سالم بن أبي الجعد، وأخرج مثله ابن جرير عن عمرو بن قيس، ولم يرفعه أي منهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

وجملة : { إن ربك لبالمرصاد } تذييل وتعليل لإِصابتهم بسوط عذاب إذا قُدِّر جواب القسم محذوفاً . ويجوز أن تكون جواب القَسَم كما تقدم آنفاً .

فعلى كون الجملة تذييلاً تكون تعليلاً لجملة { فصب عليهم ربك سوط عذاب } تثبيتاً للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله ينصر رسله وتصريحاً للمعاندين بما عَرَّض لهم به من توقع معاملته إياهم بمثل ما عامل به المكذبين الأولين . أي أن الله بالمرصاد لكل طاغ مفسد .

وعلى كونها جواب القسم تكون كناية عن تسليط العذاب على المشركين إذ لا يراد من الرصد إلا دفع المعتدي من عدوّ ونحوه ، وهو المقسم عليه وما قبله اعتراضاً تفنناً في نظم الكلام إذْ قُدم على المقصود بالقسم ما هو استدلال عليه وتنظير بما سبق من عقاب أمثالهم من الأمم من قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } الخ ، وهو أسلوب من أساليب الخطابة إذّ يُجعل البيان والتنظير بمنزلة المقدمة ويجعل الغرض المقصود بمنزلة النتيجة والعلةِ إذا كان الكلام صالحاً للاعتبارين مع قصد الاهتمام بالمقدَّم والمبادرة به .

والعدول عن ضمير المتكلم أو اسم الجلالة إلى { ربك } في قوله : { فصب عليهم ربك سوط عذاب } وقوله : { إن ربك لبالمرصاد } إيماء إلى أن فاعل ذلك رَبه الذي شأنه أن ينتصر له ، فهو مُؤمّل بأن يعذب الذين كذبوه انتصاراً له انتصارَ المولى لوليّه .

والمرصاد : المكان الذي يَترقب فيه الرَّصد ، أي الجماعة المراقبون شيئاً ، وصيغةُ مفعال تأتي للمكان وللزمان كما تأتي للآلة ، فمعنى الآلة هنا غير محتمل ، فهو هنا إما للزمان أو المكان إذ الرصد الترقب .

وتعريف « المرصاد » تعريف الجنس وهو يفيد عموم المتعلِّق ، أي بالمرصاد لكل فاعل ، فهو تمثيل لعموممِ علم الله تعالى بما يكون من أعمال العباد وحركاتهم ، بحال اطلاع الرصَد على تحركات العدُوّ والمغيرين ، وهذا المثلُ كناية عن مجازاة كل عامل بما عمِله وما يعمله إذ لا يقصد الرصد إلا للجزاءِ على العدوان ، وفي ما يفيده من التعليل إيماء إلى أن الله لم يظلمهم فيما أصابهم به .

والباء في قوله { بالمرصاد } للظرفية .