وإذا كان أكثرهم لا يتبعون إلا الظن ، ويكذبون بما لم يحصل لهم عنه علم ، فإن هناك منهم من يؤمن بهذا الكتاب ، فليسوا جميعهم من المكذبين :
( ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به . وربك أعلم بالمفسدين ) . .
والمفسدون هم الذين لا يؤمنون . وما يقع الفساد في الأرض كما يقع بضلال الناس عن الإيمان بربهم والعبودية له وحده . وما نجم الفساد في الأرض إلا من الدينونة لغير الله ، وما يتبع هذا من شر في حياة الناس في كل اتجاه . شر اتباع الهوى في النفس والغير ؛ وشر قيام أرباب أرضية تفسد كل شيء لتستبقي ربوبيتها المزيفة . . تفسد أخلاق الناس وأرواحهم وأفكارهم وتصوراتهم . . ثم تفسد مصالحهم وأموالهم . في سبيل بقائها المصطنع الزائف . وتاريخ الجاهلية في القديم والحديث فائض بهذا الفساد الذي ينشئه المفسدون الذين لا يؤمنون .
وقوله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ } أي : ومن هؤلاء الذين بُعثتَ{[14240]} إليهم يا محمد من يؤمن{[14241]} بهذا القرآن ، ويتبعك وينتفع بما أرسلت به ، { وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ } بل يموت على ذلك ويبعث عليه ، { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ } أي : وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه ، ومن يستحق الضلالة فيضله ، وهو العادل الذي لا يجور ، بل يعطي كلا ما يستحقه ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه ، لا إله إلا هو .
عطف على جملة : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } [ يونس : 39 ] لأن الإخبار عن تكذيبهم بأنه دون الإحاطة بعلم ما كذبوا به يقتضي أن تكذيبهم به ليس عن بصيرة وتأمل . وما كان بهاته المثابة كان حال المكذبين فيه متفاوتاً حتى يبلغ إلى أن يكون تكذيباً مع اعتقاد نفي الكذب عنه ، ولذلك جاء موقع هذه الآية عقب الأخرى موقع التخصيص للعام في الظاهر أو البيان للمجملِ من عدم الإحاطة بعلمه ، كما تقدم بيانه في قوله : { بما لم يحيطوا بعلمه } [ يونس : 39 ] . فكان حالهم في الإيمان بالقرآن كحالهم في اتباع الأصنام إذ قال فيهم : { وما يتبع أكثرهم إلا ظناً } [ يونس : 36 ] ، فأشعر لفظ { أكثرهم } بأن منهم من يعلم بطلان عبادة الأصنام ولكنهم يتبعونها مشايعة لقومهم ومكابرة للحق ، وكذلك حالهم في التكذيب بنسبة القرآن إلى الله ، فمنهم من يؤمن به ويكتم إيمانه مكابرة وعَداء ، ومنهم من لا يؤمنون به ويكذبون عن تقليد لكبرائهم .
والفريقان مشتركان في التكذيب في الظاهر كما أنبأت عنه ( من ) التبعيضية ، وضمير الجمع عائد إلى ما عادت إليه ضمائر { أم يقولون افتراه } [ يونس : 38 ] فمعنى يؤمن به يصدق بحقيته في نفسه ولكنه يظهر تكذيبه جمعاً بين إسناد الإيمان إليهم وبين جعلهم بعضاً من الذين يقولون { افتراه } .
واختيار المضارع للدلالة على استمرار الإيمان به من بعضهم مع المعاندة ، واستمرار عدم الإيمان به من بعضهم أيضاً .
وجملة : { وربك أعلم بالمفسدين } معترضة في آخر الكلام على رأي المحققين من علماء المعاني ، وهي تعريض بالوعيد والإنذار ، وبأنهم من المفسدين ، للعلم بأنه ما ذكر { المفسدين } هنا إلاّ لأن هؤلاء منهم وإلا لم يكن لذكر { المفسدين } مناسبة ، فالمعنى : وربك أعلم بهم لأنه أعلم بالمفسدين الذين هم من زمرتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.