قوله تعالى : { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون } قيل : أراد به السفن الصغار التي عملت بعد سفينة نوح على هيئتها . وقيل : أراد بالسفن التي تجري في الأنهار ، فهي في الأنهار كالفلك الكبار في البحار ، هذا قول قتادة ، و الضحاك وغيرهما :
وروي عن ابن عباس أنه قال : ( ( وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) ) ، يعني : الإبل ، فالإبل في البر كالسفن في البحر .
وقوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ يقول تعالى ذكره : وخلقنا لهؤلاء المشركين المكذّبيك يا محمد ، تفضلاً منا عليهم ، من مثل ذلك الفلك الذي كنا حملنا من ذرّية آدم مَنْ حملنا فيه الذي يركبونه من المراكب .
ثم اختلف أهل التأويل في الذي عُني بقوله : ما يَرْكَبُونَ فقال بعضهم : هي السفن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : تدرون ما وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ ؟ قلنا : لا . قال : هي السفن جُعلت من بعد سفينة نوح على مِثْلها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك في قوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال : السفن الصغار .
قال : ثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك ، في قوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال : السفن الصغار ، ألا ترى أنه قال : وَإنْ نَشأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ ؟ .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن في هذه الاَية : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال : السفن الصغار .
حدثنا حاتم بن الضبّي ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، عن شعبة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال : السفن الصغار .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ يعني : السفن التي اتخذت بعدها ، يعني بعد سفينة نوح .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال : هي السفن التي ينتفع بها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال : وهي هذه الفلك .
حدثني يونس ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال : نعم من مثل سفينة .
وقال آخرون : بل عُني بذلك الإبل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثنا أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ يعني : الإبل ، خَلَقها الله كما رأيت ، فهي سفن البرّ ، يُحْمَلون عليها ويركبونها .
حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا غندر ، عن عثمان بن غياث ، عن عكرمة وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال : الإبل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، قال : قال عبد الله بن شدّاد : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ هي الإبل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال : من الأنعام .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : هي الإبل .
وأشبه القولين بتأويل ذلك قول مَن قال : عُنِي بذلك السفن ، وذلك لدلالة قوله : وَإنْ نَشأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ على أن ذلك كذلك ، وذلك أن الغرق معلوم أن لا يكون إلا في الماء ، ولا غرق في البرّ .
{ آية } معناه علامة ودليل ، ورفعها بالابتداء وخبره في قوله { لهم } ، و { أنا } بدل من { آية } وفيه نظر ، ويجوز أن تكون «أن » مفسرة لا موضع لها من الإعراب ، والحمل منع الشيء أن يذهب سفلاً ، وذكر الذرية لضعفهم عن السفر فالنعمة فيهم أمكن ، وقرأ نافع وابن عامر والأعمش «ذرياتهم » بالجمع ، وقرأ الباقون «ذريتهم » بالإفراد ، وهي قراءة طليحة وعيسى ، والضمير المتصل بالذريات هو ضمير الجنس ، كأنه قال ذريات جنسهم أو نوعهم هذا أصح ما اتجه في هذا ، وخلط بعض الناس في هذا حتى قالوا الذرية تقع على الآباء وهذا لا يعرف لغة ، وأما معنى الآية فيحتمل تأويلين : أحدهما قاله ابن عباس وجماعة ، وهو أن يريد ب «الذريات المحمولين » أصحاب نوح في السفينة ، ويريد بقوله { من مثله } السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة ، وإياها أراد الله تعالى بقوله { وإن نشأ نغرقهم } ، والتأويل الثاني قاله مجاهد والسدي وروي عن ابن عباس أيضاً هو أن يريد بقوله { أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون } السفن الموجودة في بني آدم إلى يوم القيامة .
ويريد بقوله { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون } الإبل وسائر ما يركب فتكون المماثلة في أنه مركوب مبلغ إلى الأقطار فقط ، ويعود قوله { وإن نشأ نغرقهم } على السفن الموجودة في الناس ، وأما من خلط القولين فجعل الذرية في الفلك في قوم نوح في سفينة وجعل { من مثله } في الإبل فإن هذا نظر فاسد يقطع به قوله تعالى : { وإن نشأ نغرقهم } فتأمله ، و { الفلك } جمع على وزنه هو الإفراد معناه الموفر ، و { من } في قوله { من مثله } ، يتجه على أحد التأويلين : أن تكون للتبعيض ، وعلى التأويل الآخر أن تكون لبيان الجنس فانظره ، ويقال الإبل مراكب البر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.