مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَخَلَقۡنَا لَهُم مِّن مِّثۡلِهِۦ مَا يَرۡكَبُونَ} (42)

قوله تعالى : { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون }

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : من حيث اللغة والمعنى أما اللغة فقوله لهم يحتمل أن يكون عائدا إلى الذرية ، أي حملنا ذريتهم وخلقنا للمحمولين ما يركبون ، ويحتمل أن يكون عائدا إلى العباد الذين عاد إليهم قوله : { وآية لهم } وهو الحق لأن الظاهر عود الضمائر إلى شيء واحد .

المسألة الثانية : { من } يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون صلة تقديره وخلقنا لهم مثله ، وهذا على رأي الأخفش ، وسيبويه يقول : من لا يكون صلة إلا عند النفي ، تقول ما جاءني من أحد كما في قوله تعالى : { وما مسنا من لغوب } ، وثانيهما : هي مبينة كما في قوله تعالى : { يغفر لكم من ذنوبكم } كأنه لما قال : { خلقنا لهم } والمخلوق كان أشياء قال من مثل الفلك للبيان .

المسألة الثالثة : الضمير في { مثله } على قول الأكثرين عائد إلى الفلك فيكون هذا كقوله تعالى : { وآخر من شكله أزواج } وعلى هذا فالأظهر أن يكون المراد الفلك الآخر الموجود في زمانهم ويؤيد هذا هو أنه تعالى قال : { وإن نشأ نغرقهم } ولو كان المراد الإبل على ما قاله بعض المفسرين لكان قوله : { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون } فاصلا بين متصلين ، ويحتمل أن يقال الضمير عائد إلى معلوم غير مذكور تقديره أن يقال : وخلقنا لهم من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله : { خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض } وهذا كما قالوا في قوله تعالى : { ليأكلوا من ثمره } أن الهاء عائد إلى ما ذكرنا ، أي من ثمر ما ذكرنا ، وعلى هذا فقوله : { خلقنا لهم } فيه لطيفة ، وهي أن ما من أحد إلا وله ركوب مركوب من الدواب وليس كل أحد يركب الفلك فقال في الفلك حملنا ذريتهم وإن كان ما حملناهم ، وأما الخلق فلهم عام وما يركبون فيه وجهان أحدهما : هو الفلك الذي مثل فلك نوح ثانيهما : هو الإبل التي هي سفن البر ، فإن قيل إذا كان المراد سفينة نوح فما وجه مناسبة الكلام ؟ نقول ذكرهم بحال قوم نوح وأن المكذبين هلكوا والمؤمنين فازوا فكذلك هم إن آمنوا يفوزوا وإن كذبوا يهلكوا .