البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَخَلَقۡنَا لَهُم مِّن مِّثۡلِهِۦ مَا يَرۡكَبُونَ} (42)

ويدل على أنه أريد ظاهر الفلك قوله : { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون } : يعني الإبل والخيل والبغال والحمير ، والمماثلة في أنه مركوب مبلغ للأوطان فقط ، هذا إذا كان الفلك جنساً .

وأما إن أريد به سفينة نوح ، فالمماثلة تكون في كونها سفناً مثلها ، وهي الموجودة في بني آدم .

ويبعد قول من قال : الذرية في الفلك قوم نوح في سفينته ، والمثل الأجل : وما يركب ، لأنه يدفعه قوله : { وإن نشأ نغرقهم } .

{ من مثله } : من مثل الفلك ، { ما يركبون } : من الإبل ، وهي سفائن البر .

وقيل : { الفلك المشحون } : سفينة نوح .

و { من مثله } : من مثل ذلك الفلك ، { ما يركبون } : من السفن . انتهى .

والظاهر فلي قوله : { وخلقنا } أنه أريد الإنشاء والاختراع ، فالمراد الإبل وما يركب ، وتكون من للبيان ، وإن كان ما يصنعه الإنسان قد ينسب إلى الله خلقاً ، لكن الأكثر ما ذكرنا .

وإذا أريد به السفن ، تكون من للتبعيض ، ولهم الظاهر عوده على ما عاد عليه { وآية لهم } ، لأنه المحدث عنهم ، وجوز أن يعود على الذرية ؛ والظاهر أن الضمير في مثله عائد على الفلك .

وقيل : يعود على معلوم غير مذكور وتقديره : من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله : { سبحان الذين خلق الأزواج كلها مما تنيبت الأرض } ، كما قالوا : في قوله { من ثمره } ، أي من ثمر ما ذكرنا .