وقوله : { إنّ رَبّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَنْ ضَلّ عَنْ سَبِيلِهِ } يقول تعالى ذكره : إن ربك يا محمد هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله ، كضلال كفار قريش عن دين الله ، وطريق الهدى { وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدينَ } يقول : وهو أعلم بمن اهتدى ، فاتبع الحقّ ، وأقرّ به ، كما اهتديت أنت فاتبعت الحقّ ، وهذا من معاريض الكلام . وإنما معنى الكلام : إن ربك هو أعلم يا محمد بك ، وأنت المهتدي وبقومك من كفار قريش ، وأنهم الضالون عن سبيل الحقّ .
تعليل لجملة : { فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون } [ القلم : 56 ] باعتبار ما تضمنته من التعريض بأن الجانب المفتون هو الجانب القائل له { إنك لمجنون } [ الحجر : 6 ] وأن ضده بضده هو الراجع العقل أي الذي أخبرك بما كنّى عنه قوله : { فستبصر ويبصرون } [ القلم : 5 ] من أنهم المجانين هو الأعلم بالفريقين وهو الذي أنبأك بأن سيتضح الحق لأبصارهم فتعين أن المفتون هو الفريق الذين وسموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون المردودُ عليهم بقوله تعالى : { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } [ القلم : 2 ] إذ هم الضالون عن سبيل ربّ النبي صلى الله عليه وسلم لا محالة ، وينتظم بالتدرج من أول السورة إلى هنا أقيسَة مساواةٍ مندرج بعضها في بعض تقتضي مساواة حقيقة من ضل عن سبل رب النبي صلى الله عليه وسلم بحقيقة المفتون . ومساواة حقيقة المفتون بحقيقة المجنون ، فتُنتج أن فريق المشركين هم المتصفون بالجنون بقاعدة قياس المساواة أن مُساوِيَ المساوي لشيء مساوٍ لذلك الشيء .
وهذا الانتقال تضمن وعداً ووعيداً ، بإضافة السبيل إلى الله ومقابلةِ من ضل عنه بالمهتدين .
وعمومُ من ضل عن سبيله وعمومُ المهتدين يجعل هذه الجملة مع كونها كالدليل هي أيضاً من التذييل .
وهو بعدَ هذا كله تمهيد وتوطئة لقوله : { فلا تطع المكذبين } [ القلم : 8 ] .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله، كضلال كفار قريش عن دين الله، وطريق الهدى.
{وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدينَ} يقول: وهو أعلم بمن اهتدى، فاتبع الحقّ، وأقرّ به، كما اهتديت أنت فاتبعت الحقّ،
وهذا من معاريض الكلام. وإنما معنى الكلام: إن ربك هو أعلم يا محمد بك، وأنت المهتدي، وبقومك من كفار قريش، وأنهم الضالون عن سبيل الحقّ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم هذه الآيات كأنها نزلت جوابا من الله تعالى عما كان يحق لمثله الجواب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن الله تعالى لما امتحن رسوله صلى الله عليه وسلم بالعفو والإعراض عن المكافأة بالجواب، تولى الله تعالى الجواب عنه بقوله تعالى: {إن ربك هو أعلم} أي قد تعلمون أن ربكم {هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} و سنبيّن لكم ذلك...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} بالمجانين على الحقيقة، وهم الذين ضلوا عن سبيله {وَهُوَ أَعْلَمُ} بالعقلاء وهم المهتدون. أو يكون وعيداً ووعداً، وأنه أعلم بجزاء الفريقين...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان هذا إخباراً بجنونهم المستلزم لضلالهم على هذا الوجه المتصف، وكان مثل هذا قد يقع في محاورات الناس بضرب من الظن، استأنف تعالى ما هو كالتعليل لما أفاده السياق من هذا الحكم عليهم، إعلاماً بأنه ناشىء عن علم قطعي لا مرية فيه بوجه، فقال مؤكداً لأجل إنكارهم، لأن يكون الأمر على ما أفاده ما تقدم: إن ربك أي الذي رباك أحسن تربية وجبلك على أعظم الخلائق {هو} أي وحده {أعلم} أي من كل أحد، لا سيما من يتحرض، {بمن ضل} أي حار وجار وذهب وزل، وضاع وغاب غيبة عظيمة لا يهتدي منها، وسلك غير سبيل القصد، وأخطأ موضع الرشد، معرضاً {عن سبيله} فكان أجن المجانين، لأنه سبحانه وتعالى خالقهم، وشارعه "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " ولا سيما وهو الحي القيوم الذي لا يغفل {وهو} أي خاصة {أعلم بالمهتدين} أي الثابتين على الهدى وهم أولو الأحلام والنهى، وهذا سر القدر الذي يقال: إنه إنما يظهر يوم الحاقة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تعليل لجملة: {فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون} [القلم: 56] باعتبار ما تضمنته من التعريض بأن الجانب المفتون هو الجانب القائل له {إنك لمجنون} [الحجر: 6] وأن ضده بضده هو الراجع العقل أي الذي أخبرك بما كنّى عنه قوله: {فستبصر ويبصرون} [القلم: 5] من أنهم المجانين هو الأعلم بالفريقين وهو الذي أنبأك بأن سيتضح الحق لأبصارهم فتعين أن المفتون هو الفريق الذين وسموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون المردودُ عليهم بقوله تعالى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} [القلم: 2] إذ هم الضالون عن سبيل ربّ النبي صلى الله عليه وسلم لا محالة، وينتظم بالتدرج من أول السورة إلى هنا أقيسَة مساواةٍ مندرج بعضها في بعض تقتضي مساواة حقيقة من ضل عن سبل رب النبي صلى الله عليه وسلم بحقيقة المفتون. ومساواة حقيقة المفتون بحقيقة المجنون، فتُنتج أن فريق المشركين هم المتصفون بالجنون بقاعدة قياس المساواة أن مُساوِيَ المساوي لشيء مساوٍ لذلك الشيء.
وهذا الانتقال تضمن وعداً ووعيداً، بإضافة السبيل إلى الله ومقابلةِ من ضل عنه بالمهتدين.
وعمومُ من ضل عن سبيله وعمومُ المهتدين يجعل هذه الجملة مع كونها كالدليل هي أيضاً من التذييل.
وهو بعدَ هذا كله تمهيد وتوطئة لقوله: {فلا تطع المكذبين} [القلم: 8].