قال الله تعالى : { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { آسفونا } أسخطونا .
وقال الضحاك ، عنه : أغضبونا . وهكذا قال ابن عباس أيضا ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن كعب القرظي ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم{[26080]} من المفسرين .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله {[26081]} ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عقبة بن مسلم التجيبي{[26082]} عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد ما شاء ، وهو مقيم على معاصيه ، فإنما ذلك استدراج منه له " ثم تلا { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } {[26083]} .
وحدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن قيس بن مسلم {[26084]} ، عن طارق بن شهاب قال : كنت عند عبد الله فذكر عنده موت الفجأة ، فقال : تخفيف على المؤمن ، وحسرة على الكافر . ثم قرأ : { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } .
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : وجدت النقمة مع الغفلة ، يعني قوله : { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } .
يقول الله تبارك وتعالى : فَلَمّا آسَفُونا يعني بقوله : آسفونا : أغضبونا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَلَمّا آسَفُونا يقول : أسخطونا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، فَلَمّا آسَفُونا يقول : لما أغضبونا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَلَمّا آسَفُونا : أغضبونا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَلَمّا آسَفُونا قال : أغضبوا ربهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَلَمّا آسَفُونا قال : أغضبونا .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَلَمّا آسَفُونا قال : أغضبونا ، وهو على قول يعقوب : يا أسَفِي عَلى يُوسُفَ قال : يا حزَني على يوسف .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ قال : أغضبونا ، وقوله : انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ يقول : انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجّلناه لهم ، فأغرقناهم جميعا في البحر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين} لم ينج منهم أحد...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول الله تبارك وتعالى:"فَلَمّا آسَفُونا" يعني بقوله: آسفونا: أغضبونا... عن ابن عباس، قوله: "فَلَمّا آسَفُونا "يقول: أسخطونا...
وقوله: "انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ" يقول: انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجّلناه لهم، فأغرقناهم جميعا في البحر.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ءَاسَفُونَا} منقول من أسف أسفاً إذا اشتد غضبه... ومعناه: أنهم أفرطوا في المعاصي وعدوا طورهم، فاستوجبوا أن نعجل لهم عذابنا وانتقامنا، وأن لا نحلم عنهم.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
فلما آسفونا} أي أغضبونا بطاعة عدونا وقبول مغالطاته بلا دليل، وتكذيب موسى وآياته، وندائه بالساحر، ونكث العهود.
{انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين} وذلك لاستغراقهم في بحر الضلال، الأجيال الطوال، وعدم نفع العظة معهم بحال من الأحوال...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم انتهت مرحلة الابتلاء والإنذار والتبصير؛ وعلم الله أن القوم لا يؤمنون؛ وعمت الفتنة فأطاعت الجماهير فرعون الطاغية المتباهي في خيلاء، وعشت عن الآيات البينات والنور؛ فحقت كلمة الله وتحقق النذير: (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين، فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الأسف: الغَضَب المشوبُ بحُزن وكدَر، وأطلق على صنيع فرعون وقومه فعل {ءاسفونا}؛ لأنه فعل يترتب عليه انتقام الله منهم انتقاماً كانتقام الآسف؛ لأنهم عصَوا رسوله وصمّموا على شركهم بعد ظهور آيات الصدق لموسى عليه السلام. فاستعير {ءاسفونا} لمعنى عَصَوْنا للمشابهة، والمعنى: فلما عصونا عصيان العبدِ ربّه المنعِم عليه بكفران النعمة، والله يستحيل عليه أن يتصف بالآسف كما يستحيل عليه أن يتصف بالغضب على الحقيقة، فيؤول المعنى إلى أن الله عاملهم كما يعامل السيدُ المأسوفُ عبداً آسفه فلم يترك لرحمةِ سيده مسلكاً...