قوله تعالى : { ترى كثيراً منهم } ، قيل : من اليهود ، كعب بن الأشرف وأصحابه .
قوله تعالى : { يتولون الذين كفروا } ، مشركي مكة حين خرجوا إليهم يجيشون على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس ومجاهد ، والحسن : ( منهم ) يعني من المنافقين : يتولون اليهود .
قوله تعالى : { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } ، بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة .
{ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } بالمحبة والموالاة والنصرة .
{ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ } هذه البضاعةَ الكاسدة ، والصفقةَ الخاسرة ، وهي سخط الله الذي يسخط لسخطه كل شيء ، والخلود الدائم في العذاب العظيم ، فقد ظلمتهم أنفسهم حيث قدمت لهم هذا النزل غير الكريم ، وقد ظلموا أنفسهم إذ فوتوها النعيم المقيم .
وقوله : { تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } قال مجاهد : يعني بذلك المنافقين . وقوله : { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ } يعني بذلك موالاتهم للكافرين ، وتركهم موالاة المؤمنين ، التي أعقبتهم نفاقًا في قلوبهم ، وأسخطت الله عليهم سخطًا مستمرًا إلى يوم معادهم ؛ ولهذا قال : { أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } فسر بذلك ما ذمهم به . ثم أخيرًا أنهم { وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } يعني يوم القيامة .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا مسلمة{[10191]} بن علي ، عن الأعمش بإسناد ذكره قال : " يا معشر المسلمين ، إياكم والزنا ، فإن فيه ست خصال ، ثلاثة في الدنيا وثلاثة في الآخرة ، فأما التي في الدنيا : فإنه يُذهب البهاء ، ويُورِث الفقر ، ويُنقِص العمر . وأما التي في الآخرة : فإنه يُوجب سَخَط الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار " . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ }
هكذا ذكره ابن أبي حاتم ، وقد رواه ابن مَرْدُويه عن طريق هشام بن عمار ، عن مسلمة{[10192]} عن الأعمش ، عن شَقِيق ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - فذكره . وساقه أيضًا من طريق سعيد بن غُفَير ، عن مسلمة ، عن أبي عبد الرحمن الكوفي ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .
وهذا حديث ضعيف على كل حال{[10193]} والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { تَرَىَ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : ترى يا محمد كثيرا من بني إسرائيل يتولون الذين كفروا ، يقول : يتولون المشركين من عبدة الأوثان ، يعادون أولياء الله ورسله لبِئْسَ ما قَدّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ يقول تعالى ذكره : أُقْسم لبئس الشيء الذي قدمت لهم أنفسهم أمامهم إلى معادهم في الاَخرة . أنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ في موضع رفع ترجمة عن «ما » الذي في قوله : لَبِئْسَ ما . وَفي العذابِ همْ خالدونَ يقول : وفي عذاب الله يوم القيامة هم خالدون ، دائم مُقامهم ومُكثهم فيه .
{ ترى كثيرا منهم } من أهل الكتاب . { يتولون الذين كفروا } يوالون المشركين بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } أي لبئس شيئا قدموه ليزدادوا عليه يوم القيامة { أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون } هو المخصوص بالذم ، والمعنى موجب سخط الله والخلود في العذاب ، أو علة الذم والمخصوص محذوف أي لبئس شيئا ذلك لأنه كسبهم السخط والخلود .
وقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : { ترى كثيراً } يحتمل أن يكون رؤية قلب وعلى هذا فيحتمل أن يريد من الأسلاف المذكورين ، أي ترى الآن إذا خبرناك ، ويحتمل أن يريد من معاصري محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان يرى ذلك من أمورهم ودلائل حالهم ، ويحتمل أن تكون الرؤية رؤية عين فلا يريد إلا معاصري محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله تعالى : { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } أي قدمته للآخرة واجترحته ، ثم فسر ذلك قوله تعالى : { أن سخط الله عليهم } ف { أن سخط } في موضع رفع بدل من { ما } ، ويحتمل أن يكون التقدير هو أن سخط الله عليهم ، وقال الزجاج : «أن » في موضع نصب ب { أن سخط الله عليهم } .