التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ} (80)

{ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ( 80 ) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ( 81 ) } ( 80 -81 ) .

تعليق على الآية :

{ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . }

والآية التالية لها وما فيها من صور

لم يرو المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة بنزول الآيتين ، والمتبادر أن الضمير في : { منهم } عائد إلى بني إسرائيل ( 1 ){[842]}الذين كانوا موضوع الكلام في الآيتين السابقتين . وهكذا يصح القول : إن الآيتين متصلتان بالسياق السابق واستمرار له . وروح الآيتين وفحواهما يلهمان أن المقصود بهما بنو إسرائيل المعاصرين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة . وهكذا ينتقل الكلام عن أخلاق اليهود ومواقفهم من الماضي إلى الحاضر . ويربط بين أخلاق الآباء والأبناء مما جرى عليه النظم القرآني . ولقد اختلفت الأقوال في المقصود من : { الذين كفروا } فقيل : إنهم المشركون . وقيل : إنهم المنافقون الذين هم كانوا كفارا في حقيقة أمرهم ( 1 ){[843]} .

واليهود في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة كانوا وراء المنافقين منذ بدء الهجرة ، وظلوا وراءهم على ما شرحناه في سياق تفسير آية سورة البقرة ( 14 ) وسورة الحشر ( 11 ) وتحالفوا مع مشركي العرب أيضا على ما شرحناه في سياق تفسير آية سورة النساء ( 51 ) وآيات سورة الأحزاب ( 11 – 27 ) غير أننا نرجح أن المقصود هم كفار المشركين استدلالا من قرنهم مع اليهود في الآية التالية . والمتبادر أن في الآية الثانية إشارة إلى ما كان من دعاوى اليهود الكاذبة بأنهم يؤمنون برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما حكته الآية ( 61 ) من هذه السورة والآية ( 76 ) من سورة البقرة والآية ( 77 ) من سورة آل عمران .

وهكذا تكون الآيتان بسبيل التنديد ببني إسرائيل في المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فهؤلاء الذين لعن الأنبياء أسلافهم بسبب أخلاقهم وتمردهم وعدم تناهيهم عن المنكر لم يرعووا ولم يرتدعوا . وكثير منهم يوالون الذين كفروا بالله ورسالة رسوله . وفي ذلك مناقضة لدعواهم الإيمان ؛ لأنهم لو كانوا يؤمنون حقا بالله ورسوله ، وما أنزل إليهم لما فعلوا ذلك . والحقيقة من أمرهم هي أن كثيرا منهم فاسقون متمردون على الله تعالى . ولبئس ما سولت لهم أنفسهم من موقف خبيث استحقوا عليه سخط الله الدائم وعذاب النار الأبدي .


[842]:ذكر هذا الطبري أيضا.
[843]:انظر الطبري والبغوي وابن كثير والخازن حيث أوردوا هذه الأقوال.