{ أن جاءه الأعمى } وهو ابن أم مكتوم ، واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي ، وذلك أنه " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يناجي عتبة بن ربيعة ، وأبا جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب ، وأبي بن خلف ، وأخاه أمية ، يدعوهم إلى الله ، يرجو إسلامهم ، فقال ابن أم مكتوم : يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله ، فجعل يناديه ويكرر النداء ، ولا يدرى أنه مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه ، وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد : إنما أتباعه العميان والعبيد والسفلة ، فعبس وجهه وأعرض عنه ، وأقبل على القوم الذين يكلمهم ، فأنزل الله هذه الآية ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه ، وإذا رآه قال : مرحباً بمن عاتبني فيه ربي ، ويقول له : هل لك من حاجة ؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أنس بن مالك : فرأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء " .
ذكر غيرُ واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطبُ بعض عظماء قريش ، وقد طَمع في إسلامه ، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابنُ أم مكتوم - وكان ممن أسلم قديما - فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه ، وودَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل ؛ طمعا ورغبة في هدايته . وعَبَس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه ، وأقبل على الآخر ، فأنزل الله عز وجل : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ؟ أي : يحصل له زكاة وطهارة في نفسه .
يعني تعالى ذكره بقوله : عَبَسَ : قَبَضَ وجهه تكرّها ، وَتَوَلّى يقول : وأعرض أنْ جاءَهُ الأعْمَى يقول : لأن جاءه الأعمى . وقد ذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يطوّل الألف ويمدّها من أنْ جاءَهُ فيقول : «آنْ جاءَهُ » ، وكأنّ معنى الكلام كان عنده : أَأن جاءه الأعمى عبس وتولى ؟ كما قرأ من قرأ : أنْ كانَ ذَا مال وَبَنِينَ بمدّ الألف من «أنْ » وقصرها .
وذُكر أن الأعمى الذي ذكره الله في هذه الاَية ، هو ابن أمّ مكتوم ، عوتب النبيّ صلى الله عليه وسلم بسببه . ذكر الأخبار الواردة بذلك :
حدثنا سعيد بن يحيى الأمويّ ، قال : حدثنا أبي ، عن هشام بن عُروة مما عرضه عليه عُروة ، عن عائشة قالت : أنزلت عَبَسَى وَتَوَلّى في ابن أمّ مكتوم ، قالت : أَتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : أرشدني ، قالت : وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين ، قالت : فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعْرِض عنه ، ويُقْبِل على الاَخر ، ويقول : «أَتَرَى بِما أقُولُهُ بأْسا ؟ » فيقول : لا ففي هذا أُنزلت : عَبَسَ وتَوَلّى .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : عَبَسَ وَتَوّلى أنْ جاءَهُ الأعْمَى قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب ، وكان يتصدّى لهم كثيرا ، ويَحرِص عليهم أن يؤمنوا ، فأقبل إليه رجل أعمى ، يقال له عبد الله بن أم مكتوم ، يمشي وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرىء النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن ، وقال : يا رسول الله ، عَلّمني مما علّمك الله ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعَبَس في وجهه وتوّلى ، وكرِه كلامه ، وأقبل على الاَخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك الله بعض بصره ، ثم خَفَق برأسه ، ثم أنزل الله : عَبَسَ وَتَولّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى أوْ يَذّكّرُ فَتَنْفَعَهُ الذّكْرَى ، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلّمه ، وقال له : «ما حاجَتُك ، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ ؟ » وإذا ذهب من عنده قال له : «هَلْ لَكَ حاجَةٌ فِي شَيْءٍ ؟ » وذلك لما أنزل الله : أمّا مَنِ اسْتَغْنَى فأنْتَ لَهُ تَصَدّى وَما عَلَيْكَ ألاّ يَزّكّى .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : نزلت في ابن أمّ مكتوم عَبَسَ وَتَوّلَى أنْ جاءَهُ الأعْمَى .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله أنْ جاءَهُ الأعْمَى قال : رجل من بني فهر ، يقال له ابن أمّ مكتوم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة عَبَسَ وَتَوَلّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى : عبد الله بن زائدة ، وهو ابن أمّ مكتوم ، وجاءه يستقرِئه ، وهو يناجي أُميّة بن خَلَف ، رجلٌ من عِلْية قريش ، فأعرض عنه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيه ما تسمعون عَبَسَ وَتَوَلّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى إلى قوله : فأنْتَ عَنْهُ تَلَهّى «ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم استخلفه بعد ذلك مرّتين على المدينة ، في غزوتين غزاهما يصّلي بأهلها » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أنه رآه يوم القادسية معه راية سوداء ، وعليه درع له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : جاء ابن أمّ مكتوم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبيّ بن خَلَف ، فأعرض عنه ، فأنزل الله عليه : عَبَس وَتَوَلّى ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يُكرمه . قال أنس : فرأيته يوم القادسية عليه دِرْع ، ومعه راية سوداء .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : عَبَسَ وتوّلى تصدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من مشركي قريش كثير المال ، ورجا أن يُؤْمن ، وجاء رجل من الأنصار أعمى ، يقال له عبد الله بن أمّ مكتوم ، فجعل يسأل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فكرهه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وتوّلى عنه ، وأقبل على الغنيّ ، فوعظ الله نبيّه ، فأكرمه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، واستخلفه على المدينة مرّتين ، في غزوتين غزاهما .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله عزّ وجلّ : عَبَسَ وَتَوَلّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى قال : جاء ابن أمّ مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائده يُبْصر ، وهو لا يبصر ، قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى قائده يَكُفّ ، وابن أمّ مكتوم يدفعه ولا يُبصر قال : حّتى عَبَس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاتبه الله في ذلك ، فقال : عَبَسَ وَتَوَلّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى . . . إلى قوله : فأنْتَ عَنْهُ تَلَهّى قال ابن زيد : كان يقال : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَتَمَ من الوحي شيئا ، كتم هذا عن نفسه قال : وكان يتصدّى لهذا الشريفِ في جاهليته ، رجاء أن يسلم ، وكان عن هذا يتلهّى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.