{ 22-23 } { وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا }
هذه بشارة من الله لعباده المؤمنين ، بنصرهم على أعدائهم الكافرين ، وأنهم لو قابلوهم وقاتلوهم { لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا } يتولى أمرهم ، { وَلَا نَصِيرًا } ينصرهم ويعينهم على قتالكم .
وبمناسبة هذه الإشارة إلى الغنيمة الحاضرة ، والغنيمة التي قد أحاط الله بها ، وهم في انتظارها ، يقرر لهم أنهم منصورون ؛ وأن الصلح في هذا العام لم يكن لأنهم ضعاف ، أو لأن المشركين أقوياء . ولكنه تم لحكمة يريدها . ولو قاتلهم الذين كفروا لهزموا . فتلك سنة الله حيثما التقى المؤمنون والكافرون في موقعة فاصلة :
( ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ، ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا . سنة الله التي قد خلت من قبل ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ) . .
هذا عطف على قوله : { وكف أيدي الناس عنكم } [ الفتح : 20 ] على أن بعضه متعلق بالمعطوف عليه ، وبعضه معطوف على المعطوف عليه فما بينهما ليس من الاعتراض .
والمقصود من هذا العطف التنبيه على أن كف أيدي الناس عنهم نعمة على المسلمين باستبقاء قوتهم وعدتهم ونشاطهم . وليس الكف لدفع غلبة المشركين إياهم لأن الله قدَّر للمسلمين عاقبة النصر فلو قاتلهم الذين كفروا لهزمهم المسلمون ولم يجدوا نصيراً ، أي لم ينتصروا بجمعهم ولا بمن يعينهم .
والمراد بالذين كفروا ما أريد بالناس في قوله : { وكف أيدي الناس عنكم } . وكان مقتضى الظاهر الإتيان بضمير الناس بأن يقال : ولو قاتلوكم ، فعدل عنه إلى الاسم الظاهر لما في الصلة من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو أن الكفر هو سبب تولية الإدبار في قتالهم للمسلمين تمهيداً لقوله : { سنة اللَّه التي قد خلت من قبل } .
و { الأدبار } منصوب على أنه مفعول ثان لِ { وَلَّوا } ومفعوله الأول محذوف لدلالة ضمير { قاتلكم الذين كفروا } عليه . والتقدير : لولوكم الأدبار .
وأل للعهد ، أي أدبارهم ، ولذلك يقول كثير من النحاة إن أل في مثله عوض عن المضاف إليه وهو تعويض معنوي .
والتولية : جعل الشيء والياً ، أي لجعلوا ظهورهم تَليكم ، أي ارتدوا إلى ورائهم فصُرتم وراءهم .
و { ثم } للتراخي الرتبي فإن عدم وجدان الولي والنصير أشد على المنهزم من انهزامه لأن حين ينهزم قد يكون له أمل بأن يستنصر من ينجده فيكُرّ بِهِ على الذين هزموه فإذا لم يجد ولياً ولا نصيراً تحقق أنه غير منتصر وأصل الكلام لولوا الأدبار وما وجدوا ولياً ولا نصيراً .
والولي : المُوالي والصديق ، وهو أعم من النصير إذ قد يكون الوَلي غير قادر على إيواء وليه وإسعافه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قال: {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار} منهزمين {ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا} يعني ولا مانعا يمنعهم من الهزيمة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أهل بيعة الرضوان:"وَلَوْ قاتَلَكُم الّذِينَ كَفَرُوا "بالله أيها المؤمنون بمكة "لَوَلّوُا الأدْبارَ" يقول: لانهزموا عنكم، فولوكم أعجازهم، وكذلك يفعل المنهزم من قرنه في الحرب.
"ثُمّ لا يَجدُونَ وَلِيّا وَلا نَصِيرا" يقول: ثم لا يجد هؤلاء الكفار المنهزمون عنكم، المولوكم الأدبار، وليا يواليهم على حربكم، ولا نصيرا ينصرهم عليكم، لأن الله تعالى ذكره معكم، ولن يُغْلَبَ حِزْبٌ اللّهُ ناصِرُهُ...
وهو يصلح جوابا لمن يقول: كف الأيدي عنهم كان أمرا اتفاقيا، ولو اجتمع عليهم العرب كما عزموا لمنعوهم من فتح خيبر واغتنام غنائمها، فقال ليس كذلك، بل سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون، والغلبة واقعة للمسلمين، فليس أمرهم أمرا اتفاقيا، بل هو إلهي محكوم به محتوم...
قوله تعالى: {ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا}. قد ذكرنا مرارا أن دفع الضرر عن الشخص إما أن يكون بولي ينفع باللطف، أو بنصير يدفع بالعنف، وليس للذين كفروا شيء من ذلك، وفي قوله تعالى: {ثم} لطيفة وهي أن من يولي دبره يطلب الخلاص من القتل بالالتحاق بما ينجيه، فقال وليس إذا ولوا الأدبار يتخلصون، بل بعد التولي الهلاك لاحق بهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ولو قاتلكم} أي في هذا الوجه {الذين كفروا} أي أوقعوا هذا الوصف من الناس عموماً الراسخ فيه ومن دونه، وهم أهل مكة ومن لاقهم، وكانوا قد اجتمعوا وجمعوا الأحابيش ومن أطاعهم وقدموا خالد بن الوليد طليعة لهم إلى كراع الغميم، ولم يكن أسلم بعد {لولوا} أي بغاية جهدهم {الأدبار} منهزمين. ولما كان عدم نصرهم بعد التولية مستبعداً أيضاً لما لهم من كثرة الإمداد وقوة الحمية، قال معبراً بأداة البعد: {ثم} أي بعد طول الزمان وكثرة الأعوان {لا يجدون} في وقت من الأوقات {ولياً} أي يفعل معهم فعل القريب من الحياطة والشفقة والحراسة من عظيم ما يحصل من رعب تلك التولية {ولا نصيراً}...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وبمناسبة هذه الإشارة إلى الغنيمة الحاضرة، والغنيمة التي قد أحاط الله بها، وهم في انتظارها، يقرر لهم أنهم منصورون؛ وأن الصلح في هذا العام لم يكن لأنهم ضعاف، أو لأن المشركين أقوياء. ولكنه تم لحكمة يريدها. ولو قاتلهم الذين كفروا لهزموا. فتلك سنة الله حيثما التقى المؤمنون والكافرون في موقعة فاصلة:
(ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار، ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا. سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمراد بالذين كفروا ما أريد بالناس في قوله: {وكف أيدي الناس عنكم}. وكان مقتضى الظاهر الإتيان بضمير الناس بأن يقال: ولو قاتلوكم، فعدل عنه إلى الاسم الظاهر لما في الصلة من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو أن الكفر هو سبب تولية الإدبار في قتالهم للمسلمين تمهيداً لقوله: {سنة اللَّه التي قد خلت من قبل}...
وأل للعهد، أي أدبارهم، ولذلك يقول كثير من النحاة إن أل في مثله عوض عن المضاف إليه وهو تعويض معنوي...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُ الأدْبَارَ} فقد كانوا في موقع الضعف الروحي والمادي بسبب الخوف الذي دبّ في قلوبهم، والتعب الذي سيطر عليهم، لذا قبلوا بالصلح لأول مرّةٍ، ولولا ضعفهم ذاك لاستمروا في القتال، لأن دوافعهم للقتال لا تزال موجودة، فالمسيرة النبوية بالنسبة لهم تمثل تحدياً وهجوماً، {ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}، لأن الله إذا أراد نصرة المؤمنين عليهم، لأنه وليهم، فلن يستطيع أحدٌ أن يدفع عنهم الضرر الذي أراد لهم أن يخضعوا له.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لو حَدَثتِ الحرب في الحديبيّة!؟
هذه الآيات تتحدّث أيضاً عن أبعاد أُخر لما جرى في الحديبيّة وتشير إلى «لطيفتين» مهمّتين في هذا الشأن!
الأولى: هي أنّه لا تتصوّروا أنّه لو وقعت الحرب بينكم وبين مشركي مكّة في الحديبيّة لانتصر المشركون والكفرة! (ولو قاتلكم الذين كفروا لولّوا الأدبار ثمّ لا يجدون وليّاً ولا نصيراً). وليس هذا منحصراً بكم بل: (سنّة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلاً). فهذا هو قانون إلهي دائم، فمتى واجه المؤمنون العدوّ بنيّات خالصة وقلوب طاهرة ولم يضعفوا في أمر الجهاد نصرهم الله على عدوّهم، وربّما حدث في هذا الشأن إبطاء أو تعجيل لامتحان المؤمنين أو لأهداف أخرى، ولكنّ النصر النهائي على كل حال هو حليف المؤمنين.. لكن في موارد كمعركة أحد مثلاً حيث أنّ جماعة لم يتّبعوا أمر الرّسول ومالت طائفة منهم إلى الدنيا وزخرفها فلوّثت نياتها وعكفت على جمع الغنائم فإنّها ذاقت هزيمة مرّة، وهكذا بعد! اللطيفة المهمّة التي تبيّنها الآيات هي أن لا تجلس قريش فتقول: مع الأسف إنّنا لم نقاتل هذه الطائفة القليلة العدد، أسفاً إذ بلغ «الصيد» مكّة فغفلنا عنه.. أبداً ليس الأمر كذلك.. فبالرغم من أنّ المسلمين كانوا قلّة وبعيدين عن الوطن والمأمن وفاقدين للأعتدة والمؤن. ولكن مع هذه الحال لو وقع قتال بين المشركين والمؤمنين لانتصر المؤمنون ببركة قوى الإيمان ونصر الله أيضاً.. ألم يكونوا في بدر أو الأحزاب قلة وأعداؤهم كثرة، فكيف انهزم الجمع وولّوا الدبر في المعركتين؟! وعلى كلّ حال فإنّ بيان هذه الحقيقة كان سبباً لتقوية روحية المؤمنين وتضعيف روحية الأعداء وإنهاء القيل والقال من قبل المنافقين، ودلّ على أنّه حتى لو حدثت حرب في هذه الظروف غير الملائمة بحسب الظاهر فإنّ النصر سيكون حليف المؤمنين الخُلّص!...