قوله تعالى : { فإن لم يستجيبوا لكم } ، يا أصحاب محمد : وقيل : لفظه جمع والمراد به الرسل صلى الله عليه وسلم وحده . { فاعلموا } ، قيل : هذا خطاب مع المؤمنين . وقيل : مع المشركين ، { أنما أنزل بعلم الله } ، يعني : القرآن . وقيل : أنزله وفيه علمه ، { أنه لا إله إلا هو } أي : فاعلموا أن لا إله إلا هو ، { فهل أنتم مسلمون } ، لفظه استفهام ومعناه أمر ، أي : أسلموا .
{ فَإلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ } على شيء من ذلكم { فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ } [ من عند الله ]{[427]} لقيام الدليل والمقتضي ، وانتفاء المعارض .
{ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أي : واعلموا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي : هو وحده المستحق للألوهية والعبادة ، { فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أي : منقادون لألوهيته ، مستسلمون لعبوديته ، وفي هذه الآيات إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين ، ولا قدح القادحين .
خصوصا إذا كان القدح لا مستند له ، ولا يقدح فيما دعا إليه ، وأنه لا يضيق صدره ، بل يطمئن بذلك ، ماضيا على أمره ، مقبلا على شأنه ، وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها . بل يكفي إقامة الدليل السالم عن المعارض ، على جميع المسائل والمطالب . وفيها أن هذا القرآن ، معجز بنفسه ، لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله ، ولا بعشر سور من مثله ، بل ولا بسورة من مثله ، لأن الأعداء البلغاء الفصحاء ، تحداهم الله بذلك ، فلم يعارضوه ، لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك .
وفيها : أن مما يطلب فيه العلم ، ولا يكفي غلبة الظن ، علم القرآن ، وعلم التوحيد ، لقوله تعالى : { فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }
ولم يقدروا على افتراء عشر سور ، لأنهم عاجزون عن أن يقدموا لكم عونا في هذه المهمة المتعذرة ! وعجزتم أنتم بطبيعة الحال ، لأنكم لم تدعوهم لتستعينوا بهم إلا بعد عجزكم !
( فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ) .
فهو وحده القادر على أن ينزله ، وعلم الله وحده هو الكفيل بأن ينزله على هذا النحو الذي نزل به ، متضمنا ما تضمنه من دلائل العلم الشامل بسنن الكون وأحوال البشر ، وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ، وما يصلح لهم في نفوسهم وفي معاشهم . . .
فهذا مستفاد كذلك من عجز آلهتكم عن تلبيتكم في تأليف عشر سور كالتي أنزلها الله . فلا بد أن يكون هناك إله واحد هو القادر وحده على تنزيل هذا القرآن .
ويعقب على هذا التقرير الذي لا مفر من الإقرار به بسؤال لا يحتمل إلا جوابا واحدا عند غير المكابرين المتعنتين . سؤال :
بعد هذا التحدي والعجز ودلالته التي لا سبيل إلى مواجهتها بغير التسليم ؟ .
لهذه الآية تأويلان : أحدهما أن تكون المخاطبة من النبي صلى الله عليه وسلم للكفار ؛ أي فإن لم يستجب من تدعون{[6272]} إلى شيء من المعارضة ولا قدر جميعكم عليها فأذعنوا حينئذ واعلموا أنه من عند الله ، ويأتي قوله { فهل أنتم مسلمون } متمكناً .
والثاني : أن تكون مخاطبة من الله تعالى للمؤمنين : أي فإن لم يستجب الكفار إلى ما دعوا إليه من المعارضة فاعلموا أن ذلك من عند الله ، وهذا على معنى دوموا على علمكم لأنهم كانوا عالمين بذلك . قال مجاهد : قوله تعالى : { فهل أنتم مسلمون } هو لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى : { بعلم الله } يحتمل معنيين :
والثاني : أنه أنزل بما علمه الله تعالى من الغيوب ، فكأنه أراد المعلومات له وقوله : { فهل أنتم مسلمون } تقرير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.