{ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } أي : فإن لم يفعلوا ما طلبته منهم ، وتحدّيتهم به من الإتيان بعشر سور مثله ، ولا استجابوا إلى المعارضة المطلوبة منهم ، ويكون الضمير في لكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، أو للنبي صلى الله عليه وسلم وحده ، وجمع تعظيماً وتفخيماً { فاعلموا } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أو للرسول صلى الله عليه وسلم وحده على التأويل الذي سلف قريباً .
ومعنى أمرهم بالعلم ، أمرهم بالثبات عليه ؛ لأنهم عالمون بذلك من قبل عجز الكفار عن الإتيان بعشر سور مثله ، أو المراد بالأمر بالعلم : الأمر بالازدياد منه ، إلى حدّ لا يشوبه شك ، ولا تخالطه شبهة ، وهو علم اليقين . والأوّل : أولى . ومعنى : { أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ الله } أنه أنزل متلبساً بعلم الله المختص به ، الذي لا تطلع على كنهه العقول ، ولا تستوضح معناه الأفهام ، لما اشتمل عليه من الإعجاز الخارج عن طوق البشر { وَأَن لا إله إِلاَّ هُوَ } أي : واعلموا أن الله هو المتفرد بالألوهية لا شريك له ، ولا يقدره غيره على ما يقدر عليه . ثم ختم الآية بقوله : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي : ثابتون على الإسلام ، مخلصون له ، مزدادون من الطاعات ، لأنه قد حصل لكم بعجز الكفار عن الإتيان بمثل عشر سور من هذا الكتاب طمأنينة فوق ما كنتم عليه ، وبصيرة زائدة ، وإن كنتم مسلمين من قبل هذا فإن الثبوت عليه وزيادة البصيرة فيه والطمأنينة به مطلوب منكم . وقيل : إن الضمير في { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ } للموصول في { من استطعتم } ، وضمير لكم للكفار ، الذين تحدّاهم رسول الله ، وكذلك ضمير فاعلموا والمعنى : فإن لم يستجب لكم من دعوتموهم للمعاضدة والمناصرة على الإتيان بعشر سور من سائر الكفار ومن يعبدونهم ، ويزعمون أنهم يضرّون وينفعون ، فاعلموا أن هذا القرآن الذي أنزله الله على هذا الرسول ، خارج عن قدرة غيره سبحانه وتعالى ، لما اشتمل عليه من الإعجاز الذي تتقاصر دونه قوّة المخلوقين ، وأنه أنزل بعلم الله الذي لا تحيط به العقول ، ولا تبلغه الأفهام ، واعلموا أنه المنفرد بالألوهية لا شريك له ، فهل أنتم بعد هذا مسلمون ؟ أي : داخلون في الإسلام ، متبعون لأحكامه ، مقتدون بشرائعه . وهذا الوجه أقوى من الوجه الأوّل من جهة ، وأضعف منه من جهة ، فأما جهة قوّته . فلانتساق الضمائر وتناسبها ، وعدم احتياج بعضها إلى تأويل ، وأما ضعفه ، فَلِما في ترتيب الأمر بالعلم على عدم الاستجابة ممن دعوهم واستعانوا بهم من الخفاء واحتياجه إلى تكلف ، وهو أن يقال : إن عدم استجابة من دعوهم واستعانوا بهم من الكفار والآلهة مع حرصهم على نصرهم ، ومعاضدتهم ، ومبالغتهم في عدم إيمانهم واستمرارهم على الكفر ، يفيد حصول العلم لهؤلاء الكفار ، بأن هذا القرآن من عند الله ، وأن الله سبحانه هو الإله وحده لا شريك له ، وذلك يوجب دخولهم في الإسلام ، واعلم أنه قد اختلف التحدّي للكفار بمعارضة القرآن ، فتارة وقع بمجموع القرآن ، كقوله : { قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان لاَ يَأْتُونَ } وبعشر سور كما في هذه الآية ، وذلك لأن العشرة أوّل عقد من العقود ، وبسورة منه كما تقدّم ، وذلك لأن السورة أقلّ طائفة منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.