والمرادُ بقوله : { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } أي : الكفار ، يحتمل أنَّ من يدعونه من دون الله لمْ يَسْتَجِيبُوا .
قوله : { فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلِ } " ما " يجوز أن تكون كافة مهيئة ، وفي " أنزِلَ " ضميرٌ يعودُ على { مَا يوحى إِلَيْكَ } [ هود : 12 ] ، و " بعلْم " حال أي : ملتبساً بعلمه ، ويجوز أن تكون موصولة اسمية أو حرفية اسماً ل " أنّ " والخبرُ الجارُّ تقديره : فاعلموا أن تنزيله ، أو أن الذي أنزل ملتبسٌ بعلمٍ{[18701]} .
وقرأ زيد بن علي " نزَّل " بفتح النون والزاي المشددة ، وفاعل " نزَّل " ضميرُ الله تعالى ، و{ وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ } نسقٌ على " أنَّ " قبلها ، ولكن هذه مخففةٌ فاسمها محذوفٌ ، وجملة النَّفي خبرها .
إن قلنا هذا خطاب للمؤمنين ، فالمعنى : ابقوا على العلم الذي أنتم عليه ؛ لتزدادوا يقيناً وثبات قدمٍ ، على أنه منزَّل من عند الله .
وقوله : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي : مخلصون ، وقيل : فيه إضمار ، أي : فقولوا أيُّها المسلمون للكفار : اعلموا أنَّما أنزل بعلم الله ، يعني القرآن .
وقيل : أنزله ، وفيه علمه ، وإن قيل : إن هذا الخطاب مع الكفار ، فالمعنى : إن الذين تدعونهم من دون الله ، إذا لم يستجيبوا لكم في الإعانة على المعارضة ، فاعلموا أيها الكفار ؛ أن هذا القرآن ، إنما أنزل بعلمه ، فهل أنتم مسلمون ، فقد وقعت الحجة عليكم ، وأن لا إله إلا هو ، فاعلموا أنَّهُ لا إله إلا هُو .
{ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } لفظهُ استفهام ، ومعناه أمر ، أي : أسلموا .
قال بعض المفسِّرين : وهذا القول أولى ؛ لأن القول الأول يحتاج فيه إلى إضمار القول ، وهذا لا يحتاج إلى إضمار ، وأيضاً : فعود الضمير إلى أقرب مذكور أولى ، وأيضاً : فالخطابُ الأول كان مع الكفار بقوله : { مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله } ، وأيضاً فالأول أمر بالثبات .
فإن قيل : أين يعلَّق الشرط المذكور في هذه الآية ، وأين ما فيها من الجزاء ؟
فالجواب : أن القوم ادعوا كون القرآن مفترًى على الله تعالى ، فقال : لو كان متفرًى على الله تعالى ، لوجب أن يقدر الخلقُ على مثله ، ولما لم يقدروا عليه ، ثبت أنَّهُ من الله ، فقوله ( إنا أنزل بعلم الله ) : كنايةٌ عن كون من عند الله ، ومن قبله ؛ كما يقول الحاكم : هذا الحكم جدير بعلمي .
فإن قيل : أي تعلُّق لقوله : { وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ } بعجزهم عن المعارضة ؟ .
أحدهما : أنه تعالى لمَّا أمر محمداً - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه - بأن يطلب من الكفار أن يستعينوا بالأصنامِ في تحقيق المعارضة ثم ظهر عجزهم عنها فحينئذ ظهر أنَّها لا تنفعُ ولا تضرُّ في شيءٍ من المطالب ألبتة ، ومن كان كذلك ، فقد بطلت إلهيته ، فصار عجزُ القوم عن المعارضة بعد الاستعانة بالأصنام مبطلاً لإلهية الأصنام ، ودليلاً على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم ، فكان قوله : { وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ } إشارة إلى ظهور فسادِ إلاهيَّة الأصنام .
وثانيها : أنَّهُ ثبت في علم الأصول أنَّ القول بنفي الشَّريك عن الله من المسائل التي يمكن إثباتها بقول الرَّسُول - صلوات الله وسلامه عليه - فكأنَّهُ قيل : لمَّا ثبت عجزُ الخصوم عن المعارضة ثبت كون القرآن حقاً ، وثبت كون قول محمد صدقاً في دعوى الرِّسالةِ .
وإذا ثبت ذلك فأعلمهم يا محمد أن لا إله إلا هو ، واتركُوا الإصرار على الكفر ، واقبلوا الإسلام . ونظيره قوله تعالى - في سورة البقرة عند ذكر آية التحدِّي - { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فاتقوا النار التي وَقُودُهَا الناس والحجارة أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 24 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.