الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

قوله تعالى : { أَنَّمَآ أُنزِلِ } : " ما " يجوز أن تكون كافةً مهيِّئة . وفي " أُنْزِل " ضميرٌ يعود على ما يوحَى إليك ، و " بعلمٍ " حال أي : ملتبساً بعلمِه ، ويجوزُ أن تكونَ موصولةً اسميةً أو حرفية اسماً ل " إنَّ " فالخبرُ الجارُّ تقديرُه : فاعلموا أن تنزيلَه ، أو أنَّ الذي أُنْزِل ملتبسٌ بعلمٍ .

وقرأ زيد بن علي " نَزَّل " بفتح النون والزاي المشددة ، وفاعل " نَزَّل " ضميرُ اللَّه تعالى ، و { وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } نسقٌ على " أنَّ " قبلها ، ولكن هذه مخففةٌ فاسمُها محذوفٌ ، وجملةُ النفي خبرُها .

قوله : { نُوَفِّ } الجمهورُ على " نُوَفِّ " بنون العظمة وتشديد الفاء مِنْ وَفَّى يُوَفِّي ، وطلحة وميمون بياء الغيبة ، وزيد بن علي كذلك إلا أنه خَفَّفَ الفاءَ مِنْ أوفى يوفي ، والفاعلُ في هاتَيْن القراءتين ضميرُ اللَّه تعالى . وقرىء " تُوَفَّ " بضم التاء وفتح الفاء مشددةً مِنْ وفّى يُوَفِّى مبنياً للمفعول . " أعمالُهم " بالرفع قائماً مقام الفاعل . وانجزم " نُوَفِّ " على هذه القراءاتِ لكونِه جواباً للشرط ، كما في قوله تعالى { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ [ فِي حَرْثِهِ ] وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنهَا }

[ الشورى : 20 ] .

وزعم الفراء أن " كان " زائدة قال : " ولذلك جَزَم جوابَه " ولعلَّ هذا لا يصح إذ لو كانت زائدةً لكان " يريد " هو الشرط ، ولو كان شرطاً لانجزم ، فكان يُقال : مَنْ كان يُرِدْ " .

وزعم بعضُهم أنه لا يُؤْتى بفعل الشرط ماضياً والجزاء مضارعاً إلا مع " كان " خاصة ، ولهذا لم يَجِىءْ في القرآن إلا كذلك ، وهذا ليس بصحيحٍ لوروده في غير " كان " قال زهير :

2639 ومَنْ هاب أسبابَ المنايا يَنَلْنَه *** ولو رام أسبابَ السماء بسُلَّمِ

وأما القرآن فجاء من باب الاتفاق أنه كذلك .

وقرأ الحسن البصري " نوفِي " بتخفيف الفاء/ وثبوتِ الياء مِنْ أوفى ، ثم هذه القراءةُ محتمِلَةٌ : لأن يكون الفعل مجزوماً ، وقُدِّر جزمُه بحذفِ الحركة المقَّدرة كقوله :

2640 ألم يَأْتيك والأنباءُ تُنْمي *** بما لاقَتْ لَبُونُ بني زياد

على أن ذلك قد يأتي في السَّعَةِ نحو : { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ } [ يوسف : 90 ] ، وسيأتي محرَّراً في سُورته ، ولأن يكون الفعلُ مرفوعاً لوقوع الشرط ماضياً كقوله :

2641 وإنْ شُلَّ رَيْعانُ الجميعِ مخافةً *** نقولُ جِهاراً ويَلْكُمْ لا تُنَفِّروا

وكقول زهير :

2642 وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مَسْألةٍ *** يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ

وهل الرفعُ لأنه على نيةِ التقديمِ وهو مذهبُ سيبويه أو على نية الفاءِ ، كما هو مذهب المبرد ؟ خلافٌ مشهور .