حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنّ ذلكَ لَحَقّ تخاصُمُ أهْلِ النّارِ ) فقرأ : ( تاللّهِ إنْ كُنّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ العالَمِينَ ) وقرأ : ( يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا . . . حتى بلغ : إنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ ) قال : إن كنتم تعبدوننا كما تقولون إن كنا عن عبادتكم لغافلين ، ما كنا نسمع ولا نبصر ، قال : وهذه الأصنام ، قال : هذه خصومة أهل النار ، وقرأ : وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ قال : وضلّ عنهم يوم القيامة ما كانوا يفترون في الدنيا .
تذييل وتنهية لوصف حال الطاغين وأتباعهم ، وعذابهم ، وجدالهم . وتأكيد الخبر بحرف التوكيد منظور فيه لما يلزم الخبر من التعريض بوعيد المشركين وإثبات حشرهم وجزائهم بأنه حق ، أي ثابت كقوله : { وإن الدين لواقع } [ الذاريات : 6 ] .
والإِشارة إلى ما حُكي عنهم من المقاولة . وسميت المقاولة تخاصماً ، أي تجادلاً وإن لم تقع بينهم مجادلة ، فإن الطاغين لم يجيبوا الفوج على قوله : { بلْ أنتم لا مرحباً بكم } [ ص : 60 ] ، ولكن لمّا اشتمَلت المقاولة على ما هو أشد من الجدال وهو قول كل فريق للآخر { لا مرحباً بكم } كان الذم أشد من المخاصمة فأطلق عليه اسم التخاصم حقيقة . وتقدم ذكر الخصام عند قوله تعالى : { هذان خصمان } في سورة [ الحج : 19 ] .
وأضيف هذا التخاصم إلى أهل النار كلهم اعتباراً بغالب أهلها لأن غالب أهل النار أهل الضلالات الاعتقادية وهم لا يَعدون أن يكونوا دعاة للضلال أو أتباعاً للدعاة إليه فكلهم يجري بينهم هذا التخاصم ، أما من كان في النار من العصاة فكثير منهم ليس عصيانه إلا تبعاً لهواه مع كونه على علم بأن ما يأتيه ضلالة لم يُسَوّله له أحد .
و { أهْلِ النَّارِ } هم الخالدون فيها ، كقولهم : أهل قرية كذا ، فإنه لا يشمل المغترب بينهم ، على أن وقت نزول هذه الآية لم يكن في مكة غير المسلمين الصالحين وغير المشركين ، فوصف أهل النار يومئذٍ لا يتحقق إلا في المشركين دون عصاة المسلمين . وقوله : { تخاصُمُ أهلِ النارِ } إمّا خبرُ مبتدأ محذوف ، تقديره : هو تخاصم أهل النار ، والجملة استئناف لزيادة بيان مدلول اسم الإِشارة ، أو هو مرفوع على أنه خبر ثان عن { إنّ ، } أو على أنه بدل من { لَحَقٌّ .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
خصومة القادة والأتباع في هذه الآية: ما قال بعضهم لبعض في الخصومة، نظيرها في الأعراف، وفي "حم "المؤمن: {حين قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا} [الأعراف:38] عن الهدى، ثم ردت أولاهم دخول النار على أخراهم دخول النار وهم الأتباع، وقوله: {إذ يتحاجون في النار} إلى آخر الآية [غافر:47].
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: القسم بقوله: {ص والقرآن ذي الذكر} وقع على هذا ما ذكرنا.
وقال بعضهم: هذا على التقديم والتأخير؛ يقول: إن ذلك الذي ذكره من تخاصم أهل النار لحق، أي كائن في ما بينهم.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
مراجعة بعضهم بعضا القول بمنزلة المتخاصمين...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
...لأنّ قول الرؤساء: لا مرحباً بهم، وقول أتباعهم: بل أنتم لا مرحباً بكم، من باب الخصومة، فسمي التقاول كله تخاصماً لأجل اشتماله على ذلك...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان هذا أمراً رائعاً جداً زاجراً لمن له عقل فتأمله مجرداً لنفسه من الهوى، وكانت الجدود تمنعهم عن التصديق به، كان موضعاً لتأكيد الخبر عنه فقال: {إن ذلك} أي الأمر العظيم الذي تقدم الإخبار به.
{لحق} أي ثابت لا بد من وقوعه إذا وقع مضمونة وافق الواقع منه هذا الإخبار عنه.
ولما كان أشق ما فيه عليهم وأنكأ تخاصمهم، جعله هو المخبر به وحده، فقال مبيناً له مخبراً عن مبتدأ استئنافاً تقديره: هو {تخاصم أهل النار} لأنه ما أناره لهم إلا الشر والنكد فسمي تخاصماً...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تذييل وتنهية لوصف حال الطاغين وأتباعهم وعذابهم وجدالهم.
وتأكيد الخبر بحرف التوكيد منظور فيه لما يلزم الخبر من التعريض بوعيد المشركين وإثبات حشرهم وجزائهم بأنه حق، أي ثابت كقوله: {وإن الدين لواقع} [الذاريات: 6].
وأضيف هذا التخاصم إلى أهل النار كلهم اعتباراً بغالب أهلها؛ لأن غالب أهل النار أهل الضلالات الاعتقادية، وهم لا يَعدون أن يكونوا دعاة للضلال أو أتباعاً للدعاة إليه، فكلهم يجري بينهم هذا التخاصم، أما من كان في النار من العصاة فكثير منهم ليس عصيانه إلا تبعاً لهواه، مع كونه على علم بأن ما يأتيه ضلالة لم يُسَوّله له أحد.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
يعقب كتاب الله على هذا الوصف الكاشف الذي يبرز حيرة الطاغين الخارجين عن طاعة الله، المكذبين لرسله، ويكشف الستار عما هم عليه من شقاق وخلاف وتضارب في الآراء، ولو في دار الشقاء...