الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقّٞ تَخَاصُمُ أَهۡلِ ٱلنَّارِ} (64)

قوله : { تَخَاصُمُ } : العامَّةُ على رَفْعِ " تَخاصُمُ " مضافاً لأهل . وفيه أوجه ، أحدها : أنَّه بدلٌ مِنْ " لَحَقٌّ " . الثاني : أنه عطفُ بيانٍ . الثالث : أنه بدلٌ مِنْ " ذلك " على الموضعِ ، حكاه مكي ، وهذا يُوافِقُ قولَ بعض الكوفيين . الرابع : أنه خبرُ ثانٍ ل " إنَّ " . الخامس : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : هو تخاصُمُ . السادس : أنه مرفوعٌ بقولِه " لَحَقٌّ " . إلاَّ أنَّ أبا البقاء قال : " ولو قيل : هو مرفوعٌ ب " حَقٌّ " لكان بعيداً لأنه يَصيرُ جملةً/ ولا ضميرَ فيها يعود على اسم " إن " . وهذا ردٌّ صحيحٌ . وقد يُجابُ عنه : بأنَّ الضميرَ مقدرٌ أي : لحقٌّ تخاصُمُ أهلِ النار فيه كقوله : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [ الشورى : 43 ] أي : منه . وقرأ ابن محيصن بتنوين " تخاصم " ورفع " أهلُ " فَرَفْعُ " تخاصُمٌ " على ما تقدَّم . وأمَّا رَفْعُ " أهلُ " فعلى الفاعلية بالمصدرِ المنونِ كقولك : " يُعْجبني تخاصمٌ الزيدون " أي : أنْ تخاصَموا . وهذا قولُ البصريين وبعضِ الكوفيين خلا الفراءَ .

وقرأ ابنُ أبي عبلة " تخاصُمَ " بالنصب مضافاً لأهل . وفيه أوجه ، أحدها : أنه صفةٌ ل " ذلك " على اللفظِ . قال الزمخشري : " لأنَّ أسماءَ الإِشارة تُوْصَفُ بأسماءِ الأجناس " . وهذا فيه نظرٌ ؛ لأنهم نَصُّوا على أنَّ أسماء الإِشارة لا تُوْصَفُ إلاَّ بما فيه أل نحو : " يا هذا الرجلُ " ، ولا يجوز " يا هذا غلامَ الرجل " فهذا أبعدُ ، ولأن الصحيحَ أنَّ الواقع بعد اسمِ الإِشارة المقارنِ ل أل إنْ كان مشتقاً كان صفةً ، وإلاَّ كان بدَلاً و " تخاصُم " ليس مشتقاً . الثاني : أنه بدلٌ من ذلك . الثالث : أنه عطفُ بيانٍ . الرابع : على إضمارِ " أعني " . وقال أبو الفضل : " ولو نُصِبَ " تخاصم " على أنَّه بدلٌ من " ذلك " لجاز " انتهى . وكأنه لم يَطَّلِعْ عليها قراءةً . وقرأ ابن السَّمَيْفع " تخاصَمَ " فعلاً ماضياً " أهل " فاعلٌ به . وهي جملةٌ استئنافيةٌ .