قوله تعالى : { بل هو آيات بينات } قال الحسن : يعني القرآن آيات بينات ، { في صدور الذين أوتوا العلم } يعني المؤمنين الذين حملوا القرآن . وقال ابن عباس رضي الله عنهما ، وقتادة : بل هو يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب ، لأنهم يجدونه بنعته وصفته في كتبهم .
{ 49 } { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ }
أي : { بَلْ } هذا القرآن { آيَات بَيِّنَات } لا خفيات ، { فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وهم سادة الخلق ، وعقلاؤهم ، وأولو الألباب منهم ، والكمل منهم .
فإذا كان آيات بينات في صدور أمثال هؤلاء ، كانوا حجة على غيرهم ، وإنكار غيرهم لا يضر ، ولا يكون ذلك إلا ظلما ، ولهذا قال : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } لأنه لا يجحدها إلا جاهل تكلم بغير علم ، ولم يقتد بأهل العلم ، وهو متمكن من معرفته على حقيقته ، وإما متجاهل عرف أنه حق فعانده ، وعرف صدقه فخالفه .
( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ، وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ) . .
فهو دلائل واضحة في صدور الذين وهبهم الله العلم ، لا لبس فيها ولا غموض ، ولا شبهة فيها ولا ارتياب . دلائل يجدونها بينة في صدورهم ، تطمئن إليها قلوبهم ، قلا تطلب عليها دليلا وهي الدليل . والعلم الذي يستحق هذا الاسم ، هو الذي تجده الصدور في قرارتها ، مستقرا فيها ، منبعثا منها ؛ يكشف لها الطريق ، ويصلها بالخيط الواصل إلى هناك ! ( وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ) . . الذين لا يعدلون في تقدير الحقائق وتقويم الأمور ، والذين يتجاوزون الحق والصراط المستقيم .
القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ الظّالِمُونَ } .
اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله : بَلْ هُوَ آياتٌ بَيّناتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ فقال بعضهم : عنى به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : معنى الكلام : بل وجود أهل الكتاب في كتبهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ ، وأنه أميّ ، آيات بينات في صدورهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله بَلْ هُوَ آياتٌ بَيّناتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ قال : كان الله تعالى أنزل شأن محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل لأهل العلم وعلمه لهم ، وجعله لهم آية ، فقال لهم : إن آية نبوّته أن يخرج حين يخرج لا يعلم كتابا ، ولا يخطه بيمينه ، وهي الاَيات البينات .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ قال : كان نبيّ الله لا يكتب ولا يقرأ ، وكذلك جعل الله نعته في التوراة والإنجيل ، أنه نبيّ أميّ لا يقرأ ولا يكتب ، وهي الاَية البينة في صدور الذين أوتوا العلم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة بَلْ هُوَ آياتٌ بَيّناتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ من أهل الكتاب صدّقوا بمحمد ونعته ونبوّته .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، بَلْ هُوَ آياتٌ بَيّناتٌ قال : أنزل الله شأن محمد في التوراة والإنجيل لأهل العلم ، بل هو آية بينة في صدور الذين أوتوا العلم ، يقول : النبيّ صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : عنى بذلك القرآن ، وقالوا : معنى الكلام : بل هذا القرآن آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم من المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : بَلْ هُوَ آياتٌ بَيّناتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ، يعني المؤمنين .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك : بل العلم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابا ، ولا تخطه بيمينك ، آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب .
وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالاَية ، لأن قوله : بَلْ هُوَ آياتٌ بَيّناتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ بين خبرين من أخبار الله عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو بأن يكون خبرا عنه أولى من أن يكون خبرا عن الكتاب الذي قد انقضى الخبر عنه قبل .
وقوله : وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ الظّالِمُونَ يقول تعالى ذكره : ما يجحد نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وأدلته ، ويُنكر العلم الذي يعلم من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ، ببعث محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته ومبعثه إلاّ الظالمون ، يعني الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله عزّ وجلّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.