المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا} (23)

23- ولا تقولن لشيء تُقْدِم عليه وتهتم به : إني فاعل ذلك فيما يستقبل من الزمان .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا} (23)

/خ23

{ واذكر ربك إذا نسيت } ، قال ابن عباس ومجاهد والحسن : معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن . وجوز ابن عباس الاستثناء المنقطع ، وإن كان إلى سنة . وجوزه الحسن ما دام في المجلس ، وجوزه بعضهم إذا قرب الزمان ، فإن بعد فلا يصح . ولم يجوز باستثناء جماعة حتى يكون متصلاً بالكلام . وقال عكرمة : يعني الآية : واذكر ربك إذا غضبت . وقال وهب : مكتوب في الإنجيل : " ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب " . وقال الضحاك و السدي : هذا في الصلاة .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا الحسن بن أحمد المخلدي ، حدثنا عبد الواحد أبو العباس السراج ، حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها " . { وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً } ، أي : يثبتني على طريق هو أقرب إليه وأرشد . وقيل : أمر الله نبيه أن يذكره إذا نسي شيئاً ، ويسأله أن يهديه لما هو خير له من ذكر ما نسيه . ويقال : هو أن القوم لما سألوه عن قصة أصحاب الكهف على وجه العناد أمره الله عز وجل أن يخبرهم أن الله سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو أدل لهم من قصة أصحاب الكهف ، وقد فعل ، حيث آتاه من علم الغيب المرسلين ما كان أوضح لهم في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف . وقال بعضهم : هذا شيء أمر أن يقوله مع قوله { إن شاء الله } إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان ، وإذا نسي الإنسان { إن شاء الله } فتوبته من ذلك أن يقول : { عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا} (23)

{ 23-24 } { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا }

هذا النهي كغيره ، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم ، فإن الخطاب عام للمكلفين ، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة ، { إني فاعل ذلك } من دون أن يقرنه بمشيئة الله ، وذلك لما فيه من المحذور ، وهو : الكلام على الغيب المستقبل ، الذي لا يدري ، هل يفعله أم لا ؟ وهل تكون أم لا ؟

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْولَنّ لِشَيْءٍ إِنّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ وَاذْكُر رّبّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىَ أَن يَهْدِيَنِ رَبّي لأقْرَبَ مِنْ هََذَا رَشَداً } .

وهذا تأديب من الله عزّ ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة ، إلا أن يصله بمشيئة الله ، لأنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله .

وإنما قيل له ذلك فيما بلغنا من أجل أنه وعد سائليه عن المسائل الثلاث اللواتي قد ذكرناها فيما مضى ، اللواتي إحداهنّ المسألة عن أمر الفتية من أصحاب الكهف أن يجيبهم عنهنّ غد يومهم ، ولم يستثن ، فاحتبس الوحي عنه فيما قيل من أجل ذلك خمس عشرة ، حتى حزنه إبطاؤه ، ثم أنزل الله عليه الجواب عنهنّ ، وعرف نبيه سبب احتباس الوحي عنه ، وعلّمه ما الذي ينبغي أن يستعمل في عِدَاته وخبره عما يحدث من الأمور التي لم يأته من الله بها تنزيل ، فقال : وَلا تَقُولَنّ يا محمد لِشَيْءٍ إنّي فاعِلٌ ذلك غَدا كما قلت لهؤلاء الذين سألوك عن أمر أصحاب الكهف ، والمسائل التي سألوك عنها ، سأخبركم عنها غدا إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ . ومعنى الكلام : إلا أن تقول معه : إن شاء الله ، فترك ذكر تقول اكتفاء بما ذكر منه ، إذ كان في الكلام دلالة عليه . وكان بعض أهل العربية يقول : جائز أن يكون معنى قوله : إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ استثناء من القول ، لا من الفعل كأن معناه عنده : لا تقولنّ قولاً إلا أن يشاء الله ذلك القول ، وهذا وجه بعيد من المفهوم بالظاهر من التنزيل مع خلافه تأويل أهل التأويل .

وقوله : وَاذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : واستثن في يمينك إذا ذكرت أنك نسيت ذلك في حال اليمين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن هارون الحربيّ ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا هشيم ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في الرجل يحلف ، قال له : أن يستثنَي ولو إلى سنة ، وكان يقول : وَاذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ في ذلك قيل للأعمش سمعتَه من مجاهد ، فقال : ثني به ليث بن أبي سليم ، يرى ذهب كسائي هذا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله وَلا تَقُولَنّ لِشَيْءٍ إنّي فاعِلٌ ذلكَ غَدا إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ وَاذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ الاستثناء ، ثم ذكرت فاستثن .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، في قوله : وَاذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ قال : بلغني أن الحسن ، قال : إذا ذكر أنه لم يقل : إن شاء الله ، فليقل : إن شاء الله .

وقال آخرون : معناه : واذكر ربك إذا عصيت . ذكر من قال ذلك :

حدثني نصر بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن عكرِمة ، في قول الله : وَاذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ قال : اذكر ربك إذا عصيت .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن عكرمة ، مثله .

وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : واذكر ربك إذا تركت ذكره ، لأن أحد معاني النسيان في كلام العرب الترك ، وقد بيّنا ذلك فيما مضى قبل .

فإن قال قائل : أفجائز للرجل أن يستثنيَ في يمينه إذ كان معنى الكلام ما ذكرت بعد مدة من حال حلفه ؟ قيل : بل الصواب أن يستثنى ولو بعد حِنْثه في يمينه ، فيقول : إن شاء الله ليخرج بقيله ذلك مما ألزمه الله في ذلك بهذه الاَية ، فيسقط عنه الحرج بتركه ما أمره بقيله من ذلك فأما الكفارة فلا تسقط عنه بحال ، إلا أن يكون استثناؤه موصولاً بيمينه .

فإن قال : فما وجه قول من قال له : ثُنْياه ولو بعد سنة ، ومن قال له ذلك ولو بعد شهر ، وقول من قال ما دام في مجلسه ؟ قيل : إن معناهم في ذلك نحو معنانا في أن ذلك له ، ولو بعد عشر سنين ، وأنه باستثنائه وقيله إن شاء الله بعد حين من حال حلفه ، يسقط عنه الحرج الذي لو لم يقله كان له لازما فأما الكفارة فله لازمة بالحِنْث بكلّ حال ، إلا أن يكون استثناؤه كان موصولاً بالحلف ، وذلك أنا لا نعلم قائلاً قال ممن قال له الثّنْيا بعد حين يزعم أن ذلك يضع عنه الكفارة إذا حنِث ، ففي ذلك أوضح الدليل على صحة ما قلنا في ذلك ، وأن معنى

القول فيه ، كان نحو معنانا فيه .

وقوله : وَقُلْ عَسَى أنْ يَهْدِينِ رَبّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدا يقول عزّ ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل ولعلّ الله أن يهديني فيسدّدني لأسدّ مما وعدتكم وأخبرتكم أنه سيكون ، إن هو شاء .

وقد قيل : إن ذلك مما أُمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقوله إذا نسي الاستثناء في كلامه ، الذي هو عنده في أمر مستقبل مع قوله : إن شاء الله ، إذا ذكر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن محمد ، رجل من أهل الكوفة ، كان يفسر القرآن ، وكان يجلس إليه يحيى بن عباد ، قال : وَلا تَقُولَنّ لِشَيْءٍ إنّي فاعِلٌ ذلكَ غَدا إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ وَاذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أنْ يَهْدِيَنَ رَبّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدا قال فقال : وإذا نسي الإنسان أن يقول : إن شاء الله ، قال : فتوبته من ذلك ، أو كفّارة ذلك أن يقول : عَسَى أنْ يَهْدِينِ رَبّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا} (23)

وقوله { ولا تقولن لشيء } الآية ، عاتب الله تعالى فيها نبيه عليه السلام على قوله للكفار غداً أخبركم بجواب أسئلتكم ، ولم يستثن في ذلك ، فاحتبس عنه الوحي خمسة عشر يوماً حتى شق ذلك عليه ، وأرجف الكفار به ، فنزلت عليه هذه السورة مفرجة ، وأمر في هذه الآية أن يقول في أمر من الأمور : إني أفعل غداً كذا وكذا إلا وأن يعلق ذلك بمشيئة الله عز وجل ، واللام في قوله { لشيء } بمنزلة في أو كأنه قال لأجل شيء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا} (23)

عطف على الاعتراض . ومناسبة موقعه هنا ما رواه ابن إسحاق والطبري في أول هذه السورة والواحدي في سورة مريم : أن المشركين لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد ولم يَقُل " إن شَاءَ الله " فلم يأته جبريل عليه السلام بالجواب إلا بعد خمسة عشرَ يوماً . وقيل : بعد ثلاثة أيام كما تقدم ، أي فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتاباً رمزياً من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام كما عاتب سليمان عليه السلام فيما رواه البخاري : " أن سليمان قال : لأطوفَنّ الليلة على مائة امرأة تَلِد كل واحدة ولداً يقاتل في سبيل الله فلم تحمل منهن إلا واحدة ولدت شِقّ غلام " . ثم كان هذا عتاباً صريحاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أهل الكهف وعد بالإجابة ونسي أن يقول : « إن شاء الله » كما نسي سليمان ، فأعلم الله رسوله بقصة أهل الكهف ، ثم نهاه عن أن يَعِد بفعل شيء دون التقييد بمشيئة الله .