النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا} (23)

قوله عز وجل : { ولا تقولن لشيء إني فاعلٌ ذلك غداً } { إلا إن يشاء الله } قال الأخفش : فيه إضمار وتقديره : إلا أن تقول إن شاء الله ، وهذا وإن كان أمراً فهو على وجه التأديب والإرشاد أن لا تعزم على أمر إلا أن تقرنه بمشيئة الله تعالى لأمرين{[1822]} :

أحدهما : أن العزم ربما صد عنه بمانع فيصير في وعده مخلفاً في قوله كاذباً ، قال موسى عليه السلام : { ستجدني إن شاء الله صابراً } [ الكهف : 70 ] ولم يصبر ولم يكن كاذباً لوجود الاستثناء في كلامه .

الثاني : إذعاناً لقدرة الله تعالى ، وإنه مدبر في أفعاله بمعونة الله وقدرته .

الثالث : يختص بيمينه إن حلف وهو سقوط الكفارة عنه إذا حنث .

{ واذكر ربك إذا نسيت } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أنك إذا نسيت الشيء فاذكر الله ليذكرك إياه ، فإن فعل فقد أراد منك ما ذكرك ، وإلا فسيدلك على ما هو أرشد لك مما نسيته ، قاله بعض المتكلمين .

الثاني : واذكر ربك إذا غضبت ، قاله عكرمة ، ليزول عنك الغضب عند ذكره .

الثالث : واذكر ربك إذا نسيت الاستثناء بمشيئة الله في يمينك . وفي الذكر المأمور به قولان :

أحدهما : أنه ما ذكره في بقية الآية { وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً }

الثاني : أنه قول إن شاء الله الذي كان نسيه عند يمينه .

واختلفوا في ثبوت الاستثناء بعد اليمين على خمسة أقاويل :

أحدها : أنه يصح الاستثناء بها إلى سنة ، فيكون كالاستثناء بها مع اليمين في سقوط الكفارة ولا يصح بعد السنة ، قاله ابن عباس .

الثاني : يصح الاستثناء بها في مجلس يمينه ، ولا يصح بعد فراقه ، قاله الحسن وعطاء .

الثالث : يصح الاستثناء بها ما لم يأخذ في كلام غيره .

الرابع : يصح الاستثناء بها مع قرب الزمان ، ولا يصح مع بعده .

الخامس : أنه لا يصح الاستثناء بها إلا متصلاً بيمينه وهو الظاهر من مذهب مالك والشافعي رحمهما الله .


[1822]:لكن المؤلف يذكر أمرا ثالثا، ولعل الصواب: لثلاثة أمور.